إسطنبول (زمان عربي)- شهدت العلاقات التركية الروسية التي كانت متوترة في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف بين البلدين حول الأزمة السورية أزمة جديدة في الأيام الأخيرة نتيجة إسقاط تركيا الطائرة الحربية الروسية.
وأفاد خبراء لصحيفة” زمان” التركية بأن هذه المرحلة المفاجئة ستتسبب باستمرار التوتر المتصاعد في العلاقات بين البلدين خلال هذه المرحلة العصيبة. وقد صرحت موسكو بأنها سترد بالمثل، وأوصوا أنقرة بضبط النفس وأخذ الأمور بالعقلانية.
وبما أن التصريحات الروسية شديدة اللهجة تشير إلى أن موسكو لن تلتزم الصمت إزاء هذه الأزمة. حيث اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنقرة اتهاما خطيرا واصفا إياها بشريكة الإرهابيين. كما ألغى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مساء أمس زيارته لأنقرة التي كانت مقررة اليوم. بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حيث أوصى مواطنيه بعدم الذهاب إلى تركيا. مشيرا إلى ازدياد خطورة التهديدات الإرهابية للروس في تركيا كما هي الحال في مصر.
وأفاد بعض الخبراء بأن العلاقات التركية الروسية ستتأزم كثيرا في المرحلة القادمة. كما يرون بأن روسيا التي لم تُسقط لها طائرة منذ 50 سنة ستعمل على الرد بالمثل في جميع المجالات.
ويرى عضو الهيئة التدريسية في جامعة إسطنبول د. بكير جوناي أن إسقاط الطائرة الروسية التي دخلت المجال الجوي التركي أمر قانوني، ولكنه سينعكس سلبا على تركيا. لذا يجب عليها التصرف بحكمة سياسية في المرحلة القادمة.
كما يرى جوناي أن موسكو التي نشرت قواتها في سوريا بذريعة مكافحة داعش منذ شهر سبتمبر/أيلول حتى الآن تحاول اختبار النفوذ الإقليمي لتركيا. فقد انتهك الطيران الروسي الأجواء التركية منذ شهرين، واستمر بذلك أثناء قصف تركمان باير بوجاق، كما حلق في الأجواء التركية لمدة 5 دقائق صباح الأمس، الأمر الذي لم تتحمله القوات التركية. هذا ويرى جوناي بأنه يجب على أنقرة التحرك دبلوماسيا في سياستها القادمة، رغم كل التحريضات.
الحذر من الفخ السوري
وأشار جوناي إلى أن الأزمة التركية الروسية حول سوريا ليست لأسباب سياسية فقط، بل لأسباب متعلقة بخطوط نقل الطاقة، وقال: “إن روسيا اليوم تسعى لتوسيع نفوذها في سوريا وفي الدولة الكردية التي يُحتمل تأسيسها. فهي تريد السيطرة على ممر نقل النفط الكردي إلى شرق بحر المتوسط عبر شمال سوريا، كي لا يضعف احتكارها للطاقة في أوروبا؛ وترى أن تركيا والأكراد يشكلون عائقا لها في هذا الموضوع”.
كما لفت جوناي إلى أن قصف التركمان، وانتهاك الأجواء التركية، عبارة عن فخ نُصب لتركيا، حيث قال: “بعض القوى تحاول إيذاء تركيا بشكل متعمد. فقصف التركمان، وانتهاك الأجواء، وهجمات داعش كلها تخدم هذا الفخ”.
سيزيد بوتين من تشدده لتحسين صورته المتزعزعة
ومن جانبه يرى د. هاكان كيريملي أن بوتين الذي جعل تركيا محتاجة له عن طريق المشاريع المتعلقة بالغاز الطبيعي والسياحة والمقاولات، والتعاون النووي في السنوات لعشر الأخيرة؛ سيحاول أن ييجعل أنقرة تدفع الثمن كلما سنحت له الفرصة في المرحلة القادمة، وسيغدو أكثر عنفا على الحدود من أجل تحسين صورته التي تزعزعت.
وقال كيريملي: “إن بوتين الذي انتصر على أوروبا في أوكرانيا، وعلى أمريكا في سوريا، قد تلقى لأول مرة ضربة مزعزعة بإسقاط الطائرة الروسية. وسيُرد على تركيا في كل المجالات بما في ذلك التعاون النووي، وتبادل الطاقة”.
ويرى البروفسور جوكهان باجيك من جامعة إيبك، أن العلاقات بين البلدين قد دخلت في مرحلة حرجة للغاية. ويؤكد أن ضبط النفس ضروري لإخماد الأزمة بعد هذه المرحلة وسيكون ذلك في صالح البلدين.
ستحاول موسكو التضييق على أنقرة في كل فرصة تسنح لها
وأفاد خبراء بأن إسقاط الطائرة الروسية سيترك أثرا بالغا في العلاقات التركية الروسية، وأن موسكو ستواجه أنقرة في المرحلة القادمة من خلال كثير من الأزمات التي تمس تركيا امتدادا من القرم حتى البحر الأبيض المتوسط، ومن سوريا حتى قبرص. وستحاول أولا التضييق على تركيا في الساحة الدولية من خلال مجلس الأمن الدولي. ومن المتوقع أن تصعب من شروط بيع وسائل الطاقة ولا سيما الغاز الطبيعي. فتركيا تستورد من روسيا ما يزيد على نصف احتياجها من الغاز الطبيعي سنويا. ويتوقع الخبراء أن تتأثر كذلك السياحة والتجارة المتبادلة والصناعات الدفاعية، وينوهون بأن تركيا جعلت أول مفاعل نووي لديها مع العاملين فيه تحت إشراف روسيا.
وقد نوه مسؤول رفيع المستوى رفض ذكر اسمه بأن تعاون روسيا مع سوريا بعد احتلالها للقرم، يكاد يجعل البحر المتوسط بحرا داخل روسيا، وبالتالي ستصبح قادرة على مواجهة تركيا عبر البحر أيضا. كما أكد بأن روسيا ستكون قادرة على إخراج أنقرة من معادلة الطاقة من خلال الاتفاق مع القبارصة اليونانيين، وشمال العراق، وأكراد سوريا؛ مشددا على أن روسيا ستصعّد من غاراتها الجوية على تركمان باير بوجاق، ومن مناوراتها في الأجواء التركية.
وقال: “إن روسيا دولة قوية. وعندما يعود بوتين إلى موسكو، فإنه سيستشير القادة والمسؤولين الروس كيفية التضييق على تركيا. وإن بوتين الذي لا يتوانى عن تحدي الغرب، لن يتوانى عن الرد العنيف على تركيا التي أسقطت أول طائرة روسية منذ 50 سنة”.