سيفجي أكارتشيشمه
يبدو أن بلدنا الذي خيم عليه جو الاستبداد كالسحب السوداء لا علم له بالكوابيس المتفاقمة بالقرب من حدودنا.
فتنظيم داعش الذي يُطلق على نفسه اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، أو “دولة الإسلام” والذي لا يقل خطرا عن النظام الديكتاتوري في بلدنا. ولا تزول المشكلة عندما يُطلق على التنظيم اسم “داعش” كي لا يُذكر الإسلام مع هذا التنظيم الإرهابي الذي يقتل الأبرياء بوحشية غير مسبوقة. وسواء دفنا رؤوسنا في الرمال أم لا، فإن مواجهة هذه المشكلة مسؤولية تقع على عاتق العالم الإسلامي أولا. ولكن لا يُذكر على الأقل بصراحة في تركيا أن هذا التنظيم هو الذي ارتكب أكبر عملية إرهابية في تاريخنا.
تغييب دور الصحافة بشكل فعلي في تركيا له دور كبير في عدم إدراك خطورة داعش كما ينبغي. وإن الإعلام الغربي هو الذي يقدم أفضل وأشمل الأخبار حول هذا التنظيم الوحشي. وذلك لا يتطلب الذهاب إلى الرقة التي أعلنها التنظيم عاصمة له بعد أن كانت مدينة علمانية في سوريا. فبالأمس القريب أوردت نيويورك تايمز لقاء في جنوب شرق تركيا، مع الفتيات اللواتي اغتُصبن كالجواري بحجة الزواج بعناصر من تنظيم داعش. أما نحن فلا نعرف شيئا -إلا من خلال الصحفيين الأجانب- عن هذا الوحش الذي يبدو بعيدا وكأنه في عالم آخر، مع أننا نشعر بتأثيره في حدودنا.
ويرى البعض أن الخوف من داعش والأصولية قد انتشر في أوروبا وأمريكا بعد تفجيرات باريس التي أشعلت فتيل “صراع الحضارات”، ولكن ثمة انتقادات شديدة للذين يقولون: “إن هذا ليس هو الإسلام الحقيقي”. وإذا ما نظرتم في حياة عناصر داعش الذين ينفذون العمليات باسم الإسلام، فمن الصعب أن تجدوا لديهم سمة تدل على أنهم يتدينون بالدين الإسلامي. بل على العكس تماما فبعض الجهاديين من منفذي تفجيرات باريس، يظهرون من بين الذين يتناولون الخمور والمخدرات ويرتادون بارات الشواذ جنسيا.
يبدو أن داعش تمنح شعورا بالقوة والسلطة، للمهاجرين الذين يبحثون عن هوية ومرجعية لهم ويعانون من العيش ممزقين بين حضارتين.
وطبعا فإن داعش ليس ظاهرة يمكن التغاضي عنها بالقول إنها خالية من التدين والإيدولوجية. ويجب أن نجد إجابة للسؤال: “ما الذي يجذب الشباب وخصوصا في البداية؟ وإن ألقينا نظرة على البرامج الوثائقية الشاملة التي أعدتها بعض وسائل الإعلام مثل VICEنرى أن بعض الشباب يذهبون إلى الرقة وهم يحلمون حقا بالعيش في بيئة تشبه الخلافة الراشدة وعصر السعادة (عصر النبوة). وفي هذه المرحلة تظهر أهمية تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مرتبطة بالسياق بدلا من تفسيرها الحرفي المجرد. ويجب على علماء المسلمين أن يقولوا بوضوح كما قال الأستاذ فتح الله كولن: “إن قتل إنسان بريئ كقتل الإنسانية برمتها وفقا للتعاليم الإسلامية”.
وكما أفاد الأستاذ كولن عبر مقال له في صحيفة وول ستريت (Wall Street Journal) الأمريكية، يجب على العالم الإسلامي أن يرفض العنف رفضا قاطعا، قبل أن يتعذر بمعذرة تعرضه للمظالم، حتى يستطيع مكافحة الجذرية (الراديكالية) التي توجد في حدوده.
أما كون الذين يتساءلون في تركيا قائلين:”إذا لم تكن داعش هي الإسلام الحقيقي، فما هو الإسلام الحقيقي؟” لا يرون نموذجا مثل حركة الخدمة المتنورة التي تركز على التعليم والتعايش المشترك، فإنه يدل على أنهم لا يرون ما بالقرب منهم.
وسيتسبب داعش بالمزيد من المتاعب لتركيا وللمسلمين. وعلاج هذا المرض يتطلب أولا أخذه على محمل الجد، وتشخيصه بشكل سليم. ولا شك – وللأسف الشديد – إننا تأخرنا كثيرا في معرفة هذا العدو الموجود على حدودنا.