علي بولاج
إن موقف حزب النهضة التونسي والدور الذي سيلعبه في الحياة السياسية هي من أهم العوامل في تحديد السياسة التونسية وربما في تحديد المستقبل السياسي للشرق الأوسط.
وهذا مرهون بالتطورات الخارجية بقدر ما هو مرهون بالموقف الذي سيحدده حزب النهضة. وحسب مشاهداتي في الشرق الأوسط وما اطلعت عليه في تونس فإن الأمل الأخير في السياسة التي ستتشكل في العالم الإسلامي بما فيه تركيا، معقود على حزب النهضة.
وحسب الرؤية العامة فإنه من المستبعد أن يجري صراع داخلي في تونس. وذلك لسببين:
الأول هو أن تونس هي إحدى المراكز المهمة للشركات الأوروبية لإنتاج البضائع الرخيصة التي تباع في الأسواق العالمية.
والثاني أن البنوك الأفريقية المعتبرة منتشرة في تونس منذ عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة. وأن الغرب لا يريد الزج بتونس في النزاعات.
كما أن النهضة يمتلك رؤية مختلفة عن التيارات الإسلامية الأخرى. فلم يتمكن بورقيبة وزين العابدين بن علي من وضع هوية وطنية تشمل الجميع. في حين أن مرجعيةالنهضة هو الإسلام وفكرة الوحدة على النطاق الواسع، والاتحاد الإسلامي هو غايته القصوى في موضوع الاتحاد. وهو يمتاز بقرابته الفكرية من الإخوان المسلمين في مصر.
ويمثل زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، من خلال تصرفاته العقلانية، خير مثال ملموس على تجاوز البوادر المحتملة من قبل إنسان واحد بمفرده. فلا شك في أنه لولا الغنوشي لأصبح النهضة مثل كثير من الحركات مائلا للفردية، الحكم المطلق، والسيطرة والاستبداد.
فقد كان العدو المشترك بالنسبة لفرق مختلفة في عهد الاستعمار والاستبداد متمثلا في فرنسا أو بورقيبة وبن علي.ولكن بعد الثورة عاد كل واحد إلى هويته الأصلية، وظهرت الاختلافات العميقة بين الفرق في تونس. وأخذ العلمانيون بمن فيهم الليبراليون واليساريون والشيوعيون والقوميون يقولون: “إذا جاء الإسلاميون إلى الحكم فإنهم سيؤسسون نظاما استبداديا وسيتدخلون في أسلوب حياتنا”. طبعا قد لا يخلو النهضة من أناس يعززون من صحة هذه الرؤية. حتى إن حمادي الجبالي الذي انتُخب رئيسا للوزراء من حزب النهضة، صرح في الأيام الأولى من تسلمه زمام الحكم: “سيظهر سادس الخلفاء الراشدين في تونس”.
وكان هذا التصريح قد أثار ردود فعل كبيرة. ورغم محاولات تصحيح ما قاله إلا أن النهضة هذه المرة اتُّهم بأنه يسعى لتأسيس سلطنة ليكون في تونس ممثلا للذين يسعون في تركيا لتأسيس دولة عثمانية جديدة؟ ولا يزال هذا الاتهام موجها له.
كما أن هناك تهمة أخرى موجهة لحركة النهضة وهي أنها تستخدم الإسلام وسيلة للوصول إلى السلطة. ويرى أصحاب هذا الانتقاد أن الإسلاميين حين يتوصلون إلى السلطة، لا يتخلون عن مبادئ السياسة الإسلامية فحسب بل يتخلون عن الأحكام الأساسية للإسلام أيضا، وهم يفقدون صوابهم بنشوة السلطة ويسعون لتوسيع نفوذهم وجمع الثروات، ويرتكبون المظالم بلا رحمة. وثمة ادعاءات تفيد بأن شركات بن علي الذي فر إلى السعودية ظلت متحكمة بالاقتصاد، وأن بعض الساسة والمسؤولين في حزب النهضة حصلوا على عمولات من هذه الشركات. وهناك مسؤولون رفيعو المستوى في هذه الشركات يروجون هذه الادعاءات، ولكنها حتى الآن غير مدعمة بالأدلة.
وثمة انتقاد يفيد بأن أعضاء النهضة خرجوا من السجون ليتربعوا على عرش الدولة، فلم تكن لديهم استعدادات أو خبرات كافية. والذين يمارسون السياسة من أجل الوصول إلى السلطة بأية طريقة، تقنعوا بقناع الإسلامية، ووصلوا إلى السلطة عن طريق النهضة.
كما أن هناك انتقادا أكثر تجذرا، منها أن النهضة لم يحقق بما فيه الكفاية في أسس النظام السابق، فقد ظنوا أن كل شيء سيكون على ما يرام إذا تسلموا هم مقاليد الحكم في البلاد. ولكن المشكلة كانت في النظام نفسه، فقد كان فاسدا، وغير عادل وبلا رحمة، ومن يستخدم هذا النظام يتحول حتما إلى مستبد وظالم حتى ولو كان إسلاميا.