مصطفى أونال
بدأت مرحلة جديدة في السياسة. وبدأ نواب البرلمان بمهامهم بعد أداء القسم.
طبعا نحن نقول “مرحلة جديدة” تجاوزا. فالكيان السياسي لا يختلف كثيرا عن الأمس. ولم تتغير سوى الأسماء والوجوه. كما أن حزب العدالة والتنمية ما زال يشكل الأغلبية الساحقة في البرلمان. فقد استطاع إلغاء نتائج انتخابات 7 يونيو/حزيران. كما أن عدد مقاعده أكثر من مقاعد المعارضة مجتمعة. ولكنها لا تشكل الأغلبية التي تخوله تغيير الدستور. في حين أن الدستور الجديد أو بالأحرى النظام الرئاسي من بين أولويات العدالة والتنمية. ومهما تجنب داود أوغلو الحديث عن النظام الرئاسي، إلا أنه من الواضح أن القصر مصر على تغيير النظام. فهو سيمارس ضغوطه كي يدرجه على جدول أعمال البرلمان في أسرع وقت ممكن.
وإنني أود أن أُجري تقييما سريعا لمراسم قَسَم النواب التي استمرت حتى ساعات متأخرة ليلة أول من أمس. فقد جلس دنيز بايكال ثانية على مقعد رئاسة البرلمان بصفته أكبر الأعضاء سنًّا. فهو الذي قرع جرس البرلمان. ومن الأفضل الحديث عن البرلمان مع التطرق إلى ماضيه. فقد كان اليوم الأول في البرلمان مسرحا للتوترات. وفي التسعينات جرت مناقشات حول القسم باللغة الكردية. فحدثت مشاحنات شديدة. كما ظهرت ليلى زانا مجددا في البرلمان. فغيرت نص القسم واستخدمت كلمات كردية، ولم يقبل دنيز بايكال ذلك القسم.
في 1999 دخلت مروة كاواكتشي البرلمان بحجابها، وتعكرت الأجواء. وانقلبت السياسة رأسا على عقب. وانتهى الأمر بحظر حزب الفضيلة. وقبل 5 سنوات قاطع حزبان معارضان مراسم القسم. وعاد البرلمان إلى طبيعته بعد أيام عدة. ولو عاد البرلمان اليوم إلى ما كان عليه قبل 15 عاما لانتشرت الفوضى في تركيا. فقد ظهرت نائبات محجبات وأدّين القسم دون أن يثير ذلك استغراب أحد. ولم تكن مروة كاواكتشي موجودة في البرلمان ولكن أختها “روضة” كانت موجودة. ولم ينزعج أحد من حجابها.
في حين أن العدالة والتنمية سيشكل حكومة دون الحاجة إلى تحالف مع حزب معارض. ولكن هذا لا يزيل أزمة الحكم.
إذ إن نظام الدولة قد انهار، ووحدة الأناضول قد تصدعت، والمجتمع تفكك، وذلك كله نتيجة حتمية لسياسة الاستقطاب. تركيا الآن لا تسير مستقيمة بل تتعرج وتنحرف. فالدستور معطّل. والقوانين غير سارية. وهذا ما شوهد في اجتماع دول العشرين. حيث لم يظهر رئيس الوزراء الذي يجب أن يترأس الاجتماع. وكان رئيس الوزراء هو الذي يمثل تركيا في كل قمم دول العشرين حتى اليوم. إذن فالسياسة ملزمة بتحديد اسم لهذا الوضع الفعلي. وهذه مهمة البرلمان، فالمسؤولية تقع على عاتق النواب.
ولم يتدهور النظام السياسي فحسب، بل النظام القضائي أيضا. إذ لم يعد للقانون وجود. حيث ماتت العدالة. فالقضاء لم يفقد استقلاليته فقط بل إن وجوده أصبح مشكوكا فيه. وحيثما ينعدم القانون تسود المظالم. وإن أبرز سمة لهذه المرحلة هي الظلم. فقد أصبحت تركيا موئلا للمظالم. في حين أن ثمن الحرية باهظ. فإما أن تبايعوا حزب العدالة والتنمية وإما أن ترضوا بالظلم. أما الظالم فليس مجهولا، إنه معروف فهو حكومة العدالة والتنمية.
وما تعرضت له مجموعة إيبك الإعلامية يكفي للتعبير عن مظالم هذه المرحلة. حيث استولت حكومة العدالة والتنمية على أموال مجموعة إيبك. وحجزت على إعلامها. هل كان ذلك للحفاظ على وجودها؟ لا بل للقضاء عليها. فقد أوشكت حكومة العدالة والتنمية على إغلاق الصحف وقنوات التليفزيون بحجة تعيين وصي على الوسائل الإعلامية. وقريبا قد تقفل أبوابها. وأصبح الظلم ينتشر في أنحاء البلاد دون أي رادع. وسيقت النساء المكبلات بالقيود في الشوارع.
وقد أصبحت تركيا بلدا تصعب إدارته. ولا يمكن أن يستمر الوضع هكذا 4 سنوات أخرى. فإذا لم يتمكن البرلمان من لم شمل هذا الشتات فإن عمر هذه المرحلة سيكون قصيرا. إن مهمة السياسة شاقة. أما البرلمانيون فيواجهون امتحانا صعبا. فإما أن يساعدوا في رفع سيف الظلم، وإما أن يقيموا ميزان العدل. وليس هناك حل وسط.