عمر نور الدين
مرحبا بكم في تركيا الجديدة .. تركيا ما بعد 1نوفمبر/ تشرين الثاني .. تركيا المصادرات والقمع وكبت الحريات ومصادرة الممتلكات ووضع أيادي المحجبات في الكلابشات.. تركيا انتفاء التنوع وغياب القانون.. تركيا الصوت الواحد والرجل الواحد.
كانت آفاق الحلم متسعة رحبة لهؤلاء الذين صدقوا أن تركيا ستصبح يوما نموذجا للديمقراطية يحتذى في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بأكمله.. لكن هؤلاء حتما لم يقرأوا تاريخ الإسلام السياسي الذي لم تكتمل ملامح نظامه إلا في النموذج التركي، الذي تبلور في الأعوام الأخيرة بعد استكمال مرحلة ” التمكين” ليصبح نظاما فاشيا بامتياز، يقوده مجموعة من محترفي الكذب باسم الدين عبر ترويج فكرة الخلافة والتغني بالبطولات الزائفة في نصرة المظلومين، بينما ضحايا ظلمهم يتزايدون يوما بعد يوم.
يتحدثون عن زمن الانقلابات في تركيا بمرارة، ويذرفون دموع التماسيح، بينما ممارساتهم أقوى وأعتى وأشد ظلما وإظلاما من ممارسات الانقلابيين الذين تحالفوا معهم اليوم بل وخضعوا لهم.. ولاعجب فإنها براجماتية الإسلام السياسي التي تسوغ كل شئ من أجل الوصول إلى الحكم والتمكين، فإذا تمكنوا أشاعوا الظلم والتنكيل والقمع والكبت ومنعوا غيرهم من كل شئ، اللهم إلا عدم قدرتهم على حجب الهواء الذي يتنفسه الآخرون.
صدرت عن رئيس الوزراء التركي أحمد داوداوغلو عقب الانتخابات البرلمانية المبكرة في الأول من نوفمبر الجاري، والتي كانت بحق فخا كبيرا سقط فيه الشعب التركي بتدبير من محترفي اللعب بأوراق السياسة، تصريحات وردية على غرار أن حرية الإعلام خط أحمر .. فإذا بالجميع يكتشف مع حجب 13 قناة تابعة لمجموعة سامان يولو، دفعة واحدة، لمنع الناس من سماع أي صوت مختلف عما يريد من يحكم البلاد الاستماع إليه أن ما ردده داوداوغلو لم يتعد حدود لسانه.
لم أثق منذ البداية في تصريحات داوداوغلو، وأثبتت الأيام القليلة عقب الانتخابات صدق ما توقعت، وتبين للمتفائلين والمستبشرين خيرا بهذه التصريحات أن ما كان يقصده داوداوغلو، الرجل المحدد بإطار لايسمح له بالخروج عنه، هو ” أن تمتع الإعلام بالحرية خط أحمر”.. ذلك ان داوداوغلو لايملك من أمر نفسه ولا من أمر تركيا وحكمها شيئا.
تحدث داوداوغلو أيضا عن التواضع، ثم فاجأنا بالنكتة الكبيرة عندما قال لنواب حزبه في الاجتماع الأول معهم قبل أداء اليمين الدستورية في البرلمان إذا عرفتم فيما بعد أنني أصبحت ثريا فأطيحوا بي .. هي نكتة فعلا لأنها مجرد إعادة وتكرار لما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل سنوات.. لقد أصبحت هذه العبارة جملة في أدبيات الكذب في حزب العدالة والتنمية بعدما تبين للناس كم الفساد الذي ضرب جنبات الحزب والحكومة .. ربما سيحاول داوداوغلو أن يكون نظيفا .. لكن حتما لن يتركه الفاسدون..
إن من أعجب الأمور أن نتابع هذه التصريحات البراقة عن عهد جديد لا استقطاب ولا توتر فيه.. ثم نرى إغلاق القنوات المعارضة والمستقلة ومداهمة الصحف واعتقال الصحفيين، ومصادرة الأموال الخاصة والممتلكات والشركات التي يحقد شخص بعينه على أصحابها حتى يرضي شهوة الطمع المتأصلة في نفسه.
ومن العجب أيضا أن نسمع تصريحات من رئيس الوزراء، الذي يفترض أنه بحكم الدستور حتى الآن هو الحاكم الفعلي لتركيا في ظل نظام برلماني، عن الحرية والأخوة ثم نرى الخزي والعار في اعتقال النساء وتكبيل أياديهن والسطو على أموال الناس وممتلكاتهم وكبت الأصوات وقمع كل رأي مخالف.
ومن العجب أيضا أن نرى رئيس الوزراء هذا يكتفي بدور الكومبارس في مؤتمر قمة العشرين ليترك الواجهة لرئيس الجمهورية في صورة لم تعتدها تركيا من قبل.. لكن هذا العجب يمكن أن يزول فورا إذا رجعنا وحللنا مفهوم تركيا الجديدة.. التي هي تركيا الرجل الواحد والصوت الواحد المنحدرة بأقصى سرعة إلى هوة الديكتاتورية والاستبداد..
هامش
لاتنسوا هذه المقولة: “يأتي الإسلاميون إلى السلطة بصناديق الاقتراع لكن لايمكن أن يغادروها بصناديق الاقتراع”.. التطبيق العملي في تركيا .. انتخابات 7 يونيو/ حزيران وإعادتها في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني.. رفعت الأقلام.