ممتاز أر توركونه
خسر حزب العدالة والتنمية دعم القاعدة الشعبية من الشريحة المركزية. فهو في السلطة بفضل الشريحة البعيدة عن المركز وغير المنتظمة وذات الأعداد الكبيرة بسب مخاوفهم وقلقهم.
ثمة إمكانية معارضة واسعة النطاق في الشريحة المركزية التي احتمى الحزب الحاكم من غضبها باستغلاله إمكانات الدولة. وإن كلمة “الاحتماء” تعبر عن موقف حرج وعاجل للغاية بالنسبة للحزب الحاكم. علما بأن الشبكة التنظيمية للعدالة والتنمية تحافظ على وجودها بواسطة إمكانات السلطة.
وقد تبين فيما بين 7 يونيو و1 نوفمبر، أن مشاركة أحد للعدالة والتنمية في السلطة كفيل بالقضاء عليه، ناهيك عن خسارته للسلطة. تصوروا أن الطيف السياسي على شكل دائرة. وتوجد في مركز هذه الدائرة نواة فولاذية من القاعدة الشعبية للحزب التي شكلها أردوغان طوال 14 سنة كما تُشكل زخارف الخيوط التي تُرسم بالإبرة، وهذه النواة تمثل السلطة العليا والأقلية الحاكمة التي قويت شوكتها بفضل رجال الأعمال في القطاع الخاص الذين لهم امتيازات خاصة في الحصول على مشاريع الدولة المربحة.
أما المعارضة فليس بوسعها أن تعيق عجلة الحزب الحاكم لأنها أصبحت غير منتظمة ولم يعد لها أي تأثير إزاء استغلال الحزب الحاكم لإمكانات الدولة.
والمعارضة التي لا تستطيع حماية حقوقها، أنّى لها أن تحمي حقوق الشعب في البرلمان؟ ففي كلا الانتخابين انتهك الحزب الحاكم القانون مرارا وتكرارا ليتصدى للمعارضة. فلم يلتزم الرئيس بالحياد، وحُجز على الإعلام المعارض، وتم إسكاته. وبالتالي انتعش الإعلام الموالي للحكومة عبر الإعلانات الممنوحة له من مؤسسات الدولة. كما عملت شبكة TRT الرسمية ووكالة الأناضول للأنباء كمكتب انتخابي للحزب الحاكم. وقد استفسرت جريدة جمهوريت في عددها الصادر أمس عن الأموال مجهولة المصدر التي تُقدر بنحو 13.4 مليار دلار، والتي دخلت البلاد وقت الانتخابات. ومع كل هذه الانتهاكات التي يشهدها البلد باستمرار، يتبين لنا أن الديمقراطية أصبحت في حالة يُرثى لها. ولكن أحزاب المعارضة حتى الآن لم تناقش مشروعية الانتخابات ولم تبحث عن حقوقها القانونية.
وإن إخراج توركسات التي تُعتبر مؤسسة حكومية، لمجموعة سامان يولو من القمر الصناعي، يدل بكل وضوح على المشكلة التي تتعرض لها حرية الصحافة التي تعني البلد جميعا.فالحكومة التي فازت في الانتخابات تُسكت المعارضة كما فعلت قبيل الانتخابات. ولكن ما الذي تفعله المعارصة؟ إنها تلتزم الصمت بسبب خوفها إذا ما استثنينا اعتراضات بعض البرلمانيين الشجعان، بدلا عن أن تنظم المظاهرات وتقاطع البرلمان. ولكن عواقب ذلك تعود على الشعب. فسيأتي علينا يوم ستشتكي فيه أحزاب المعارضة قائلة: “لا نستطيع إيصال صوتنا للمواطنين ولا يخصص لنا الإعلام وقتا” إذ لن يكون في ذلك الوقت إعلام لا يسيطر عليه الحزب الحاكم وسيكون جواب شكواهم هذه “بما أنكم التزمتم الصمت حين أسكتت الحكومة صوت مجموعة سامان يولو وأخرجتها من القمر الصناعي، فمن الطبيعي ألا يسمع أحد صوتكم اليوم”.
إن ما ينتظرنا ليس حكومة حزب واحد أسكتت المعارضة، وقضت على منافسيها، بل اضطرابات متسلسلة. فقد كانت أحداث حديقة جيزي عبارة عن معارضة شعبية تمخضت عن غياب المعارضة المؤسسية. وبعد ذلك واجهت الحكومة المعارضة الشعبية. فحتى عندما حاربت خيال الكيان الموازي لم نجد حولنا معارضة مؤسسية.
فإذا لم تأخذ المعارضة المؤسسية بزمام الأمور، ولم تطالب بحقوقها المتمثلة في 50.5% من الشعب التي لم تُمثل في الحكومة، فإن تركيا سوف تستسلم للفوضى. إذ يكفي أن تعتبروا أن مصير مجموعة سامان يولو، مؤشرا لادراك بقاء المجتمع بلا حول ولا قوة ولا أي حام يدافع عن حقوقه.