باريس 14 نوفمبر تشرين الثاني (رويترز) – كان من المفترض أن
تكون ليلة جمعة عادية في وسط باريس يشاهد فيها السكان وزوار
العاصمة الفرنسية عرضا فنيا أو يتناولون وجبة أو يسقطون عن كاهلهم
هموم الأسبوع.
لكن وللمرة الثانية في أقل من سنة تتساءل فرنسا والعالم كيف
يمكن أن تقع مذبحة في قلب هذه المدينة المحبوبة وفي مواقع مختلفة
من بينها قاعة للحفلات الموسيقية على بعد مئات الخطوات عن موقع
هجوم مميت على صحيفة شارلي إبدو الساخرة في يناير كانون الثاني.
وقالت كاترينا جياردينو وهي إيطالية تقطن باريس “بينما كنا في
طريقنا إلى سيارتنا رأينا العشرات يهرعون للخروج من باتاكلان” في
إشارة إلى مسرح يعود إلى القرن التاسع عشر تحول إلى قاعة للعروض
الموسيقية وقتل فيه مسلحون متشحون بالسواد قرابة مئة شخص بشكل
ممنهج.
وأضافت جياردينو بينما كانت تجلس بجوار صديق لها وتتذكر خروج
شاب من القاعة وعلى قميصه بصمة كف بالدماء “كانت الدماء تغطي
الكثيرين منهم وكان الناس يصرخون.”
ولم يتضح بعد تسلسل أحداث الهجمات بالأسلحة والقنابل على قاعة
الحفلات واستاد رياضي ومطاعم في باريس والتي أسفرت عن مقتل 120
شخصا على الأقل.
وسمع دوي الانفجار الأول في تمام الساعة 9.17 مساء (2017
بتوقيت جرينتش) أمام استاد فرنسا وهو الاستاد الرياضي الوطني حيث
كانت تقام مباراة دولية في كرة القدم بين فرنسا وألمانيا في حضور
الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند. وسمع جمهور المباراة صوت انفجار
ثان بعد ذلك بدقيقتين تقريبا.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها حتى الآن لكن شهودا في قاعة
باتاكلان الموسيقية سمعوا القتلة يرددون هتافات إسلامية ويدينون
الدور الذي تلعبه فرنسا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة
لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وداخل القاعة كان فريق الروك الأمريكي ايجلز اوف ديث ميتال
يحيي حفلة للترويج لألبومه الموسيقي الرابع عندما بدأ الجمهور يشعر
بأن شيئا ما ليس على ما يرام.
وقال جوليان بيرس وهو صحفي في إذاعة أوروبا 1 وكان في المسرح
وقت الهجوم “التفتت ورأيت أحد هؤلاء المهاجمين. كان صغيرا جدا في
السن ربما في العشرين من عمره وله لحية صغيرة.”
وتابع “ظننا في أول الأمر أن ما حدث جزء من العرض… ألعاب
نارية أو ما إلى ذلك. لكن عندما التفتت ورأيته مسلحا ببندقية ورأيت
النيران تخرج من فوهة السلاح أدركت أنها ليست مزحة.”
وعندما توقف المسلح عن إطلاق النار لإعادة تزويد السلاح
بالذخيرة تمكن بيرس من التسلل من جانب المسرح والخروج من أحد منافذ
الخروج. لكن شهودا وصفوا كيف لم يحالف هذا الحظ السعيد آخرين.
وقال شاب يبلغ من العمر 22 عاما وخرج من باب المسرح فيما بدأ
ثلاثة مسلحين في إطلاق النار العشوائي على الموجودين بالداخل “كان
الناس يسقطون كقطع الدومينو.”
وأضاف الشاب الذي قال إن اسمه تون وإنه هرع للهروب من المكان
“كان أحدهم يضع قبعة كبيرة وكانوا جميعا متشحين بالسواد.”
وتقول المؤشرات الأولية إن أعضاء الفريق الموسيقي الأمريكي من
ولاية كاليفورنيا والذي شكله في أواخر التسعينات الصديقان جيسي
هيوز وجوش هوم بخير. وقالت جو ايلين هيوز والدة هيوز لصحفي من
رويترز خارج منزلها في منطقة بالم ديزرت في كاليفورنيا إنها تحدثت
مع ابنها عبر الهاتف بعد الهجوم وإنه لم يصب لكنه “منزعج ومضطرب
للغاية”.
وسرت حالة من الذعر خارج المسرح. وقال قائد الشرطة في باريس
ميشيل كادو للتلفزيون المحلي إن مسلحا أمطر واجهات مقاه عديدة
قريبة بالرصاص قبل أن يدخل القاعة.
ورأى شاهد رجلا يجري في شارع وهو يصرخ “إنها الحرب”. وقال شاب
من سكان باريس إنه اختبأ مع 60 آخرين لمدة ساعة في قبو حانة في
الشارع الخلفي للمسرح.
وتعمل أجهزة الطوارئ على قدم وساق. وهرعت العشرات من سيارات
الإسعاف إلى قاعة باتاكلان. وتجمع جنود يرتدون زيا مموها في ساحة
الباستيل القريبة.
وبعد منتصف ليل باريس بقليل ترددت أصوات فرقعة من داخل المسرح.
وأصدر أولوند بيانا بعد ذلك بقليل يقول فيه إن ضباطا في طريقهم
لتحرير من لا يزالون في المسرح.
وقال كادو “كان هجوم الشرطة صعبا للغاية. كان الإرهابيون الذين
حبسوا أنفسهم في أحد الأدوار لديهم أحزمة ناسفة فجروها وقتل
الأربعة أثناء الهجوم.”
وسرعان ما أعلن أولوند حالة الطوارئ بعد الهجوم الذي وصفه بأنه
هجوم إرهابي على نطاق لم يسبق له مثيل على الأراضي الفرنسية.
وأحجمت وزارة الداخلية عن توضيح ما إذا كان هناك مسلحون آخرون
فارين.
وبالنسبة للحكومة الفرنسية والشعب الفرنسي فإن الأيام القادمة
من المرجح أن تحمل أسئلة وإجابات كثيرة.
وإذا كان للهجوم علاقة بدور فرنسا في سوريا فلماذا يتم
استهدافها هي مجددا وليس الأعضاء الآخرين في التحالف بقيادة
الولايات المتحدة؟
وهل كان من الممكن أن تفعل السلطات المزيد لمنع هذه الهجمات
الجديدة بعد أن رفعت مستوى الأمن بالفعل إلى الدرجة القصوى ووعدت
بتعزيز المراقبة عقب هجمات شارلي إبدو؟
وهل سيملك الفرنسيون الذين خرجوا بمئات الآلاف في يناير كانون
الثاني حدادا على ضحايا شارلي إبدو الشجاعة لتجاوز مخاوفهم الأمنية
المتنامية للمرة الثانية؟