مصطفى أونال
لا بد من أن نكون منصفين تجاه رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو. إذ إن خطاباته بعد نجاحه في الانتخابات 1 نوفمبر/ تشرين الثاني معتدلة ومنطقية، بل إنها تبعث على الأمل. حيث بدأت خطاباته من على شرفة مبنى حزبه، واستمرت على النحو ذاته في وسائل الإعلام.
طبعا أدرك أن المنظر العام لا يبعث على السرور، فلست متفائلا جدا. بيد أنه ما من حرج في إبداء هذه الملاحظة.
كان حزب العدالة والتنمية عبارة عن حركة سياسية متمسكة بالقيم، ولها قضية ومهام. والتزم بالمعايير الدولية في الديمقراطية والحقوق والحريات. ولذلك فقد أصدر قوانين إصلاحية. والتحق بركب الاتحاد الأوروبي. ولكنه حاد عن طريقه في دورته الثالثة، حيث أصبحت غايته الأساسية هي الحفاظ على بقائه في الحكم. فقد تشبث بالسلطة، وشرّع لنفسه كل السبل كي لايخسر قوته. وأصبح الكتاب الأحمر الصادر عن مجلس الأمن القومي مقدسا.
إن العدل هو المعيار الأساسي لدى الحكومات على مدى التاريخ. فالحكومة إما أن تكون عادلة وإما أن تكون ظالمة. وإذا ما نظرنا إلى سياسات العدالة والتنمية في المرحلة الأخيرة لما وجدنا العدل إلا في اسم وزارة العدل. فقد انتشر الظلم في كل مكان، وصار يتجول في المدن.
وطبعا ليس داوداوغلو هو المسؤول الوحيد عن هذه الصورة السيئة. فقد يكون هو الذي يسيّر أمور الدولة بتوقيعه على القرارات. لكن ثمة حقيقة اسمها القصر (رئاسة الجمهورية) وهو المؤثر القوي في كل ما يحدث. فهل سيتمكن العدالة والتنمية من فتح صفحة جديدة رغم كل هذه السلبيات؟
كما أن كلام داوداوغلو لا يخلو من الملاحظات، فالمهم هو الإجراءات وليس الكلام. فلطالما صدر كلام جميل من أرباب السياسة ولكنه تبخر بإجراءات سيئة.
ولنتذكر ما قاله داوداوغلو: “كانت ليلة 1 نوفمبر هي الليلة التي لم أجد فيها الراحة. صحيح أني فزت في الانتخابات لكنني لم أكن مرتاحا. لأن هذا الفوز حملني مسؤولية كبيرة”. ومن الأهمية بمكان ألا يشعر بالراحة. فإن عدم ثمالته بالفوز أمر يسترعي الانتباه. إذ إن العدالة والتنمية لم يحقق فوزه بنسبة 49% من خلال محاسنه، بل هناك تأثيرات خارجة عن إطار السياسة. فهو لم يحقق هذه النتيجة لأن الشعب أُعجب بوعوده وسياساته في المرحلة الأخيرة. فالكل يدرك الإخفاقات التي تشهدها السياسة الداخلية والخارجية للحزب، إذ لم يعد لتركيا أي ثقل لا في الغرب ولا في الشرق.
ما رأيكم، هل يجب علينا أن نتفاءل بالتصريحات التي أدلى بها داوداوغلو لقناة (CNN) إذ قال: “إنني كنت أكاديميا في التسعينيات وكنتُ أكتب في الصحف. فحرية الصحافة والفكر خط أحمر بالنسبة لي. فأنا سأدافع عن أي من المثقفين والكتّاب والصحفيين إذا تعرضوا لهجوم ما. وإنني أضمن ذلك”؟
الإعلام مؤشر الديمقراطية. إلا أن الإعلام التركي في وضع يُرثى له، فهو يتعرض لضغوط كبيرة. فالصحفيون الحقيقيون عاطلون عن العمل. والسجون مكتظة بالصحفيين. وقد سطت حكومة العدالة والتنمية على مجموعة كوزا- إيبك الإعلامية. فالغاية ليست الحفاظ على الإعلام، بل إسكاته وبعبارة أدق القضاء عليه. فقد أصبحت نسبة طبع نسخ الجرائد ومتابعة القنوات المصادرة في الحضيض.
فقد كانت صحيفة” بوجون” تطبع أكثر من مئة ألف نسخة يوميا قبل تعيين وصي عليها. والآن أصبحت الصحيفة تلفظ أنفاسها الأخيرة. وباتت وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية غير الموالية للحكومة تحت تهديد النظام الديكتاتوري الأشبه بالنازية. فعلى داوداوغلو أن يُشمّر عن ساعديه فورا، وإلا فقد يكون الغد متأخرا. ولكنه عليه أولا أن يزيل الأجواء العكرة السائدة. وأنا أريد أن أكون متفائلا رغم كل شيء.