علي بولاج
أوصى المغيرة بن شعبة معاوية بن أبي سفيان بأن يعلن ابنه يزيد وليا للعهد وأن يطلب له البيعة حتى تبقى الخلافة في يد بني أمية باستمرار وأخذ معاوية بهذه النصيحة.
وما أن بدأ يزيد في المطالبة بالبيعة لنفسه من الجميع طوعا أو كرها عقب وفاة والده حتى ثار سيدنا الحسين –رضي الله عنه- على ذلك الأمر. لأنه وفقًا للاتفاق الذي أجراه معاوية مع سيدنا الحسن كان يجب أن تنتقل الخلافة بعد معاوية إما إلى الحسن أو الحسين، إلا أن معاوية لم يلتزم بذلك الاتفاق.
ولربما كان سيدنا الحسين ينوي الاكتفاء بعدم مبايعة يزيد والبقاء في المدينة المنورة. بيد أن الكوفيين كانوا أحد العوامل التي دفعته للانتفاضة والاعتراض على ذلك بعدما أرسلوا إليه الخطابات الواحد تلو الأخر يشجعونه فيها على الإطاحة بيزيد.
قرّر الحسين رضي الله عنه السفر إلى الكوفة، وبينما كان في طريقه صادف الشاعر العربيّ الكبير الفرزدق. ونصحه الفرزدق بالعودة والعدول عن قراره وقال له: “إن أهل الكوفة قلوبهم معك وسيوفهم ضدك”. ولما بلغ الحسين المكان المسمى “عذيب الجانات” سأل أربعة امتطوا خيلهم من الكوفيين. فقالوا له: “تم توزيع رشوة بمبالغ كبيرة على الكوفيين، فلا نظن أنهم يقدمون الدعم لك”. إلا أن سيدنا الحسين واصل طريقه غير مبال بإنذارهم قائلا:”إن أمر الله كان مفعولا”. وكان يرافقه ويتابعه طوال الطريق جيش مكون من ألف شخص بقيادة الحر بن يزيد. وبعدها خرج عمر بن سعد ابن الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص -بطل معركة القادسية التي أنهت الإمبراطورية الساسانية في كربلاء- على رأس جيش مكون من أربعة آلاف شخص. وعندها فطن الحسين إلى خطورة الموقف، وعرض على عمر ثلاثة خيارات:
أولها: اسمحوا لي بالعودة إلى المدينة.
وثانيهما: أحل الخلاف عن طريق الحوار مع يزيد.
وثالثهما: خلوا سبيلي لأذهب إلى إحدى المناطق الحدودية.
ورحب عمر بهذا الاقتراح. كما رأى بن زياد والي الكوفة أن هذا الاقتراح سيكون فيه المصلحة. لكن بمجرد أن قال مستشاره شمر بن ذي الجوشن إن عدم قتل الحسين سيكون خطأ جسيمًا مادام وقع في أيديهم، فأرسل بن زياد إلى عمر بن سعد وأمره بالآتي: “ليبايعوا يزيدا أولا. ولا تعطوا الماء للحسين ومن معه. فكما حرم عثمان من الماء فليحرموا أيضا ولو قطرة واحدة من الماء. إن أوامري واضحة، فإن استسلم فأرسله إلي حيًّا، وإن قاوم فاسفكوا دمه، واجعل جسده قطعًا قطعًا كما يستحق، ثم إرمها تحت حوافر الخيل لأنه متمرد وتارك للجماعة”.
وقبل أن تقع المجزرة التقى الحسين وعمر بن سعد سرًّا في الليل. وحسب مصادر الطبري وابن الأثير عرض عليه الحسين: “اترك جيشك في كربلاء. ولنذهب سويًّا إلى يزيد”. وقال له عمر إنه لو فعل ذلك سيدمرون بيته وسيجعلونه والأرض سواء. ولما قال له الحسين “أبني لك بيتك من جديد”، قال عمر “سيصادرون كل أموالي ووممتلكاتي”. ولم يقبل عمر عرض الحسين رغم أنه ضمن له أن يعطيه كل ما يملكه في الحجاز.
كان سيدنا الحسين الذي استشهد في الـسابعة والخمسين من عمره يقول: “لماذا تريدون قتلي وأنا لم أسفك دم أحد؟وما اغتصبت مال أحد.وما الجريمة التي ارتكبتها أخبروني؟
وعندماتبينت تعليمات بن زياد وعزم عمر بن سعد، قال الحر بن يزيد الرياحي الذي رافق الحسين حتى كربلاء: “إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، ووالله لاأختار على الجنّة شيئًا، ولو قطّعت وحرّقت. ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين”، ودعا له الحسين بكل محبة وحنان.
ثمة بضعة نقاط ينبغي الوقوف عليها في حادثةكربلاء. وأحد هذه النقاط هو موقف وسلوك أهل الكوفة. فالكوفيون الذين كانوا يؤمنون في قرارة أنفسهم بأن سيدنا الحسين على حق بنسبة مائة في المئة في دعوته لم يقفوا إلى جواره. لأن بعضهم شعر بالخوف، والبعض الآخر فضل أن يقف إلى جانب الطائفة الحاكمة لتسهيل مصالحه، والبعض قال: “لن نتدخل في هذا الأمر، فليحيا الثعبان الذي لا يلدغنا ألف عام”.
فأسس تاريخنا السياسي تشكلت باستشهاد سيدنا عثمان، والمصادمات والمآسي التي وقعت في حادثة كربلاء. والحكومات والشعوب يبدون ردود الأفعال نفسها منذ مئات السنين في أشكال مختلفة.