بقلم: أحمد شاهين
أرى أنه يجب تجنب الأسلوب الفظ الذي يستقطب المجتمع ويؤذي الناس، ونحن على أبواب مرحلة جديدة بعد الانتخابات الأخيرة.
ولذلك أرى فائدةً في الإشارة مجددا إلى تنبيه تاريخي قيّم يحثنا على التعبير عن أفكارنا بطريقة لينة وأخوية دون أن نستقطب المجتمع.
فكما هو معلوم مات الحجاج الظالم عام 95 هـجريا عن عمر يناهز 53 عاما في مدينة واسط التي بناها هو نفسه في العراق، وقد كان قائدا من ولاة الدولة الأموية. وقد أقام أنصار بني أمية مأتما لوفاته، في حين أن معارضيهم من العباسيين احتفلوا بموته.
وبذلك بدأ ظهور جبهتين في العراق. وقال أحد أنصار الحجاج حينها لمعارضيه: “يا رب، لا تحرمني شفاعة القائد الكبير الحجاج”.
وكان هناك أناس معتدلون غير راضين عن تطرف الطرفين اللذين يؤججان الخصومة في المجتمع. وكانوا ينصحون الطرفين بقولهم:
“اذهبوا إلى الولي الصالح الحسن البصري، واسألوه عن الحجاج. فهل هو في الجنة إلى درجة أنه تُطلب شفاعته، أم إنه في جهنم والعياذ بالله. ثم عبّروا عن رأيكم في المجتمع بناء على ذلك”.
وبنا عليه ذهب اثنان من المتخاصمين إلى الحسن البصري، وذكرا له خطبهما. فقال الحسن البصري بمنتهى الوضوح:
– قال الحجاج قبل موته: “اللهم اغفر لي، فإن الناس يزعمون أنك لن تغفر لي، لكنني أؤمن بأن رحمتك أكبر من ظلمي، وعاملني بحسن ظني بك ولا تعاملني بسوء ظن الناس”. فمن مات بعد هذا الدعاء لا يمكن أن نزعم بأنه مات على الكفر وأنه في جهنم. كما أننا لا يمكن أن نزعم بأنه رجل ضمن الجنة حتى استحق أن تُطلب شفاعته لأنه ارتكب الظلم وقتل الأبرياء. ثم لفت الحسن البصري إلى أمر مهم حيث قال:
– لا تنسوا أنكم لم تبلغوا من العلم منزلةً تؤهلكم للإعلان بأن من تناصرونه في الجنة أوبأن من تعارضونه في جهنم. ولذلك عليكم أن تعبّروا عن موقفكم دون أن تزرعوا الشقاق بين الناس.
وبعد ذلك فكر الموالون للحجاج والناقمون عليه بإنصاف، وقالوا: “الله أعلم بمصير الحجاج، فقد تطرفنا كثيرا في الرأي حول الحجاج”. وعاد الطرفان من البصرة وهما يتحادثان بأسلوب لين، وقدما للمجتمع أسلوبا للنقاش بدون تحريض.
ما رأيكم؟ أليس هذا التنبيه التاريخي كهمسة في آذاننا؟ ألسنا جميعا بحاجة للأسلوب الأخوي لنحافظ على وحدتنا وتضامننا في بلدنا؟ ألا يجب علينا أن ننتهج أسلوبا لينا لا يؤذي أخوَّتنا ولا يُحزن من يخاطبنا؟ وإلا فسنتحمل عاقبة تحويل المجتمع الأخوي إلى مجتمع عدواني. فهل يمكن للمؤمنين أن يتحملوا عاقبة تحويل المجتمع الأخوي إلى مجتمع عدواني؟
فاعتبروا يا أولي الأبصار!