عمر نورالدين
لعل أكبر مفاجآت الانتخابات المبكرة التي شهدتها تركيا الأحد الماضي هي النسبة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية، وليس عودته إلى الحكم منفردا ذلك أن الحزب نفسه وقياداته وناشطيه على مواقع التواصل الاجتماعي ومن قبل ذلك استطلاعات الرأي جميعها لم تتوقع أن يحصل العدالة والتنمية على نحو 50% من أصوات الناخبين.
لماذا هي مفاجأة؟ لأن علم المنطق يقول إن المقدمات تؤدي إلى النتائج، ومقدمات ماحدث من حزب العدالة والتنمية والذي أدى إلى فقده الأغلبية المطلقة في انتخابات السابع من يونيو/ حزيران الماضي وجعله يعجز عن تشكيل الحكومة منفردا لم تتغير حتى تكون النتيجة نحو 50% لصالحة.
فقد تغيرت النتائج عن المقدمات، وبالتالي فإن ما افرزته الانتخابات لاعلاقة له بالمنطق، وإنما له علاقة بالظروف التي سبقت الانتخابات وإشاعة الخوف والقلق على المستقبل والرعب من الإرهاب وانعدام الاستقرار وهو ما أجاد حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المستميت من أجل عودة الحزب للصدارة أملا في تحقيق حلم النظام الرئاسي المصمم على مقاسه الخاص، اللعب عليه.
ليس هذا فحسب وإنما كان للمعارضة التركية، ولاسيما حزب الحركة القومية أو ( حزب الـ ” لا”) وتصلب رئيسه دولت بهشلي الدور الأكبر في أن يفقد الحزب نصف مقاعده التي حصل عليها في انتخابات 7 يونيو ليهدي هذه المقاعد إلى حزب العدالة والتنمية.
وأعطى هذا الحزب أسوأ مثال للمعارضة بسلوكه الرافض للتوافق حول تشكيل الائتلاف، بعد أن أعطى الشعب الفرصة لأحزاب المعارضة وأخرج العدالة والتنمية من معادلة الحكم المنفرد للمرة الأولى منذ 13 عاما، وعاند أحزاب المعارضة الأخرى حتى في اختيار رئيس البرلمان ليهدي المنصب للعدالة والتنمية.
وواصل بهشلي نهج ” لا” ليقضي على ما تبقى من قوة الحزب، الذي تمكن من تحقيق نتيجة جيدة إلى حد ما في انتخابات السابع من يونيو، عبر إقصاء قيادات تتمتع بشعبية كبيرة من صفوف الحزب.
ولو كان العدالة والتنمية نفسه يخطط لأن يستفيد كل هذه الاستفادة من حزب الحركة القومية، وقد كان بالفعل يخطط ولكن لأقل من ذلك، ما كان ليستطيع أن يحصل على ما أهداه له الحزب بنفسه بسبب سياسة التصلب والمضي في الأخطاء والإصرار عليها.
أما حزب الشعوب الديمقراطي، الذي حافظ بالكاد على نسبة العشرة في المائة، الحد النسبي لدخول البرلمان، فإنه لم يفطن جيدا إلى ضرورة لم شمل الأكراد أنفسهم حوله، كما أن تيار الأحداث ككان أعلى من قدرته على رد الفعل السريع وتغيير التكتيكات للتعامل مع كل موقف، إضافة إلى الظروف الخانقة بالنسبة له الي أجريت فيها الانتخابات.
وعلى الرغم من أن استراتيجية حزب العدالة والتنمية كانت تقوم على اللعب على أخطاء حزبي الحركة القومية والشعوب الديمقراطي ومحاولة انتزاع شعبيتهما، وهو أمر مباح، إلا أن حزب الشعوب الديمقراطي لا يتحمل قدر ما يتحمل الحركة القومية الذي أضر بالديمقراطية في تركيا وبفرص الأحزاب الأخرى وأعلق الطريق أمام إرادة الشعب في التغيير، التي عبر عنها في انتخابات 7 يونيو، ليعيد الأمور في تركيا إلى نقطة الصفر من جديد وكأن شيئا لم يكن، وكأن كل ما حدث من وثبة ديمقراطية من الشعب التركي في 7 يونيو كان حلم ليلة صيف أو مشهد عابر في مسرحية السياسة في تركيا.
لقد دفع الحركة القومية الشعب إلى أن يكفر بالديمقراطية وبالقدرة على التغيير فارتمي الشعب في أحضان الحزب الذي سعى للتخلص من عنجهيته واستبداده وفساده وقمعه لحرياته وإشاعته جو القلق والاضطراب والخوف في أرجاء البلاد.. ليصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار.
لقد فاجأ الشعب التركي المعارضة بالعقاب وفاجأ العدالة والتنمية بإعطائه الفرصة من جديد، وهو درس من الشعب لساسته كدرس السابع من يونيو.. فمن سيستوعب الدرس؟!.