بقلم: جمالي أونال
فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة أصوات تاريخيّة بلغت 49.4 في المئة في الانتخابات البرلمانية الحرجة التي أجريت يوم الأحد الماضي في تركيا. بينما كانت أصوات الحزب شهدت قبل أربعة أشهر، أي في انتخابات السابع من يوينو/ حزيران الماضي، انخفاضًا يقارب 10 في المئة من الأصوات.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو؛ ما الذي حدث ليزيد العدالة والتنمية من عدد أصواته بنسبة 10 في المئة؟
يمكن ذكر الكثير من الأسباب ردًّا على هذا السؤال. بيد أن أول الأسباب التي تتبادر إلى الأذهان هي توجه الناس إلى حزب العدالة والتنمية بإرادتهم، وليس قيام الحزب بجذبهم إليه. ذلك أن الأحداث الإرهابية التي اندلعت فجأة في ربوع البلاد جعلت الناس يشعرون بحالة من الخوف والفزع. لدرجة أنه انتابتهم حالة من القلق بأنه في حال رحيل العدالة والتنمية من الحكم قد تشهد البلاد مزيدًا من الأحداث الإرهابية.
والسبب الثاني؛ والذي يبدو مُعضلة ثابتة في تركيا منذ سنوات طويلة، هو افتقار الدولة إلى معارضة قويّة وبنّاءة. إذ يمكن القول بأنه على الرغم من معرفة الشعب بجميع سلبيات العدالة والتنمية إلا أنه لا يثق في المعارضة بأي شكل من الأشكال.
والسبب الثالث؛ هو حالة الخوف التي سيطرت على المجتمع من احتمال عودة فترات الحكومات الائتلافية مجددًا إذا ما رحل العدالة والتنمية؛ فتركيا خضعت لحكومات ائتلافية على مدى سنوات طويلة، الأمر الذي جعلها تواجه فوضى وأزمات اقتصادية كبيرة في تلك الفترات.
يمكننا الخوض في هذه الأسباب والإطالة فيها لكن هذه الأسباب الثلاثة -آنفة الذكر- هي الأسباب الرئيسية في هذا الصدد.
السياسة الخارجية.. المعضلة الكبرى لدى العدالة والتنمية
حسنًا، ما هي المخاطر التي تنتظر حزب العدالة والتنمية الذي نجح في الحصول على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان بصورة قوية وتشكيل الحكومة منفردًا؟
إن أكبر المشكلات أمام العدالة والتنمية حاليًا؛ هو اقتصاد تركيا المتدهور، والعمليات الإرهابية المتزايدة، وخطر تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي “داعش” المجاور لتركيا مباشرة، وكيان دولة كردية فعليّة في سوريا على غرار نظيره بالعراق، وإيران، وقيام الولايات المتحدة بعمليات جوية في سوريا بصورة من شأنها إدخال الأمن التركي في خطر، والعلاقات التركية المتدهورة مع الاتحاد الأوربي.
بيد أن سوريا وحدها قد تشكّل مصدر إزعاج للعدالة والتنمية لكنها تعد في الوقت ذاته ورقة رابحة للحزب من ناحية تعزيز قواه عن طريق انتفاعه من الوضع الراهن.
ولاشكّ في أن سوريا تعد الموضوع الأكثر توترًا وحساسيّة بين كل من تركيا والولايات المتحدة في العام ونصف العام، أو العامين الماضيين. كيف لا وقد انعكس الرأي العام العالمي بشأن دعم تركيا لتنظيم داعش على علاقات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنظيره التركي رجب طيب أردوغان. إذ قام أوباما الذي يكاد لا يلتقي أردوغان في العامين الماضيين بتكليف نائبه جو بايدن بإجراء المباحثات معه بدلا عنه.
غير أن موجة الرياح الباردة بين الرئيسين سُرعان ما هدأت بمجرد قيام تركيا بفتح قاعدة “إنجيرليك” الجوية في مدينة أضنة جنوب البلاد للقوات الأمريكية دون أن تقدم تنازلات عن مطلبها في إقامة “منطقة آمنة” في سوريا. ولهذا السبب تبذل الولايات المتحدة التي تستخدم تركيا كقاعدة في عملياتها الجوية التي تشنها على معاقل تنظيم داعش قصارى جهدها حتى لا تتدهور علاقاتها مع تركيا.
أوروبا الرافضة للظهور في صورة واحدة مع أردوغان بدأت تحبه فجأة
وهناك موقف مشابه إلى حد ما للموقف الأمريكي، وهو علاقات الاتحاد الأوروبي مؤخرًا مع تركيا. إذ في الوقت الذي كان يحاول فيه الزعماء الأوروبيون عدم الظهور في صورة واحدة مع أردوغان بسبب التطورات المعادية للديمقراطية في تركيا، وتدفق اللاجئين السوريين إلى الدول الأوروبية، تحول أردوغان بين عشيّة وضحاها إلى الزعيم الأكثر حبًا في أعين هؤلاء الزعماء.
وبينما جاءت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مهرولة على أطراف أصابعها إلى تركيا لبحث أزمة اللاجئين، قرّر الاتحاد الأوروبي كذلك أن يعلن عن تقرير تقدم تركيا في مفاوضات العضوية بعدما كان ينتقدها بشكل حاد، بعد انتخابات الأول من نوفمبر.
لدرجة أن بعض القادة الأوروبيين علّقوا على إجراءات أردوغان المعادية للديمقراطية بأنه “ليس هذا هو الوقت الذي يمكن فيه الحديث عن ذلك”، ليكشفوا عن نواياهم الحقيقة تجاه تركيا.
وجملة القول هي إن سوريا يمكن أن تشكّل اضطرابات وفوضى عارمة أو مخرجًا وورقة رابحة في الوقت ذاته بالنسبة لحكومة حزب العدالة والتنمية التي تشهد عزلة وحصارًا كبيرين على الصعيدين الداخلي والخارجي. ويبدو أن أردوغان سيحُول بسهولة الآن دون الضغوط التي تمارسها الدول الغربية ضده عن طريق استخدام موضوع سوريا كورقة رابحة.