بقلم: أ. د. عبد المجيد بوشبكة (*)
كلما وقعت حادثة في طريق بعض السياسيين إلا ويبحثون لها عن قربان يفتدون به مصيرهم أمام الناس. وقربان جل السياسيين في الدولة الحديثة هو الدين ورجاله. هذا القربان لم تكد تنج منه دولة في عالمنا، بداية من منطقة البلقان مرورا بالشيشان وبلاد الأفغان ثم الجزائر ومصر فأرض الكنانة والشام، وكادت تحط الرحال اليوم بدار”آل عثمان”. فبعد البنّا وسيد قطب ومدني والترابي والغنوشي ثم آخرين من أمثالهم توجهت سهام مهندسي الأشرطة السوداء واقتراح القرابين صوب العالم المجدد فتح الله كولن، ولاشك أن الدور سيأتي على البقية الباقية ولسان الحال يقول “أُكِلتُ يوم أُكِل الثورُ الأبيض”.
المحزن في هذه الأشرطة المفبركة أن منفذيها في الغالب الأعم من المحسوبين على أمتنا والمنتمين إلى ملتنا. ولسان الحال يجلجل في سماعي رواية ابن عساكر عن سليمان الأحول قال: لقيت عكرمة ومعه ابن له فقلت: أيحفظ هذا من حديثك شيئا؟ فقال: “أزهد الناس في العالم أهله”. وقد نسب الإمام الشعراني هذا القول في كتابه “المعقول” إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
نعم أزهد الناس في العالم أهله، هي مقولة تناقلتها الأجيال وصدقها الواقع، وما يتعرض له العالم الجليل محمد فتح الله كولن اليوم ليس إلا حلقة من حلقات هذا المسلسل المحزن الذي يشكل عنوانا في درب العلماء على طريق النبوة، فهم ورثة سرها.
إن الذين تيسرت لهم معرفة الأستاذ فتح الله كولن أو درسوا أعماله فضلا عن الحفر فيها، لا يملكون إلا التسليم بتفرد هذا الرجل العبقري في كثير من مجالات الحياة بأعمال مبهرة. و قد اجتمعت شهادات ثلة من العلماء وتواترت شهادات كم غفير من الباحثين والدارسين على أن هذا الرجل جمع ما تفرق في عدد من علماء العصر، واجتمعت عليه من القلوب ما لم يظفر به غيره، وأنه من مجددي العصر بدون منازع، إلا أنه ورغم كل ذلك لم يخرج عن القاعدة الاجتماعية “أزهد الناس في العالم أهله”.
فبعد كل هذه الحظوة -وفي كل أرجاء العالم- زَهِد أهل هذا الرجل فيه كما زهد غيرهم في غيره من العلماء قديما وحديثا من أمثال حسن البنا وسيد قطب والترابي وعباسي مدني و الغنوشي و القرضاوي وآخرين. وليس هذا إلا غيضا من فيض طريق العلماء وأشواكه.
ولأن المناسبة شرط فلا بأس من التذكير بقيمة هذا العالم الفاضل عبر تصريحات مواكب الشهداء في حق هذا الرجل. ولأن صوتي لا يعدو أن يكون صيحة في واد، فمن الوفاء التذكير بشهادة بعض العلماء الكبار في حق العالم الكبير مجدد العصر الأستاذ محمد فتح الله كولن ضمن أفواج لقوافل الشهداء لا يعلم عددها إلا الله تعالى.
الشيخ وحيد الدين خان حفظه: “لقد صادفت في هذا الاستكشاف أخي فتح الله كولن الذي يؤثر في كثير من الناس، وتعرفت على كثير من الذين استلهموا من أفكاره، وأنجزوا أعمالا عظيمة، سواء في التعليم أو التربية أو الصحة والإصلاح الاجتماعي… ما أعظم هذا العمل الفريد…”
الشيخ سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى: “رأيت الأستاذ فتح الله كولن وجلست إليه ورأيت في شخصيته جوانب مميزة ونادرة، تواضعه الجم وهو شأن العلماء. منهج الأستاذ فتح الله كولن هو ذات المنهج لبديع الزمان النورسي من ناحية الربانية وعلاقته بالله. وأرى أن هذا هو الطريق الصحيح الأمثل لإدخال محبة الإسلام إلى قلوب الناس”.
الشيخ سلمان العودة: “أتحدث عن تجربة رأيتها، وهي تجربة الأستاذ فتح الله كولن العالم الجليل عبر آلاف المدارس ومئات الكليات والجامعات داخل تركيا وخارجها، والقنوات والصحف والمجلات والمناشط، كلها يعود فيها الفضل لهذا الرجل”.
الشيخ الأحمدي أبو النور حفظه الله في تعليقه على مدرسة صلاح الدين بمصر من مدارس الخدمة: “وسندرك بعدئذ أن المواءمة بين المحلية والدولية، وبين الدين والدنيا، وبين العلم والخلق، وبين التربية والتعليم، وبين الأبوة والتدريس… إلى آخر ما تتميز به هذه المدرسة… سندرك أن هذه المواءمة هي التي ستُظْفِرُنَا من الطلاب بالنموذج الفريد في بيته، والمتميز في ثقافته، والبار بآبائه، والصديق النافع لمجتمعه ابن بيئته، والسفير بعلمه وإبداعه إلى العالم -بعدئذ- من حوله. وهذا النموذج الفريد من الطلاب، هو الذي يرى فيه القاصي والداني أن يكون منه بمشيئة الله وعونه العبقري والمبتكر والمفكر والمخترع، مع نبل في النفس، وزكاء في الخلق، وسمو في السلوك. وهذا النموذج الفريد هو الذي سيتجدد لنا به خطاب الدين متسقا مع العقل والعلم والحكمة مبشرا بحاضر مشرق وغد واعد مصداقا لنحو قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون…)”.
الشيخ عائض القرني: “التقيت في المدارس التركية رجلا عالما تركيا صدقوني مضرب المثل يجعله الأمريكان في موسوعة ثقافية الرجل المسلم الأول الأكثر تأثيرا في العالم وهو الشيخ محمد فتح الله كولن. عنده منهج “وليتلطف” أخذه من الآية (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، يختم القرآن مع طلابه في رمضان كل ثلاثة أيام. يجمع بين ربانية الدين والدنيا”.
المفكر الكبير الدكتور محمد عمارة قال في خاتمة مقدمته للكتاب البديع للأستاذ فتح الله “النور الخالد”: “…. بهذه الأفكار والخواطر أستقبل -دائما وأبدًا- كل إبداع جديد في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبها أقدم بين يدي هذه الطبعة الجديدة لهذا العمل الفريد في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، “النور الخالد.. مفخرة الإنسانية”، ذلك الذي أبدعه العالم الجليل محمد فتح الله كولن. لقد أبدعه بقلب المحب وعقل المحقق، فجاء على هذا النحو الجليل والجميل، الذي يقود القلوب والعقول إلى عشق سيد الخلق، والاقتداء بصاحب الخلق العظيم. أمدَّ اللّٰه عالمنا الجليل بمدد من عنده، ونفع به وبعلمه، وجعل هذا العمل الجليل في ميزان حسناته يوم الدين.. إنه أفضل مسؤول وأكرم مجيب”.
الدكتور حسن مكي ضمن مقال: “رائد الخدمة في معية رواد الفكر والتجديد” : “… إنهم هؤلاء الرجال الذين يفتحون القلوب والعقول، ويبنون المدارس، ولا يتكلمون إلا باسم الأمة وباسم التجديد وباسم إحياء القلوب وباسم كل التراث الإسلامي والتاريخ الإسلامي. وحينما تراهم، يعمر قلبك بالإيمان والحب، وتتذكر قول الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، فتسأل مَن وراء هذا المشروع، ومَن وراء هذا العمل؟ فيقال لك بصوت خافت: إنه الأستاذ فتح الله كُولن. ولكن مَن هو؟ إنه ممن نسي حظوظ نفسه من أجل خدمة غيره. ومنهجُه الفناء في خدمة الآخر كسبيل للفناء في عبادة الله. والفناءُ في حب الآخر طالما قاد لمحبة الله. وتسأل “أين هو”؟ فيقال لك: لقد فرّ بدينه متأسيًا بموسى ويوسف عليهما السلام، حيث مُكِّن لكل منهما في منزل الغربة. وتسأل: “ما هو خطابه السياسي وبرنامجه الاجتماعي”؟ وتعجب أنه لا يستعجل الأمور، لأنه مشغول ببناء ما هو أهمّ وأجلّ من السياسي، فهو في شغل عن السياسي بعكوفه على بناء المسلم الذاكر، ببناء بيت الرب في قلب العبد. ومشغول بتنزيل خطاب القرآن المكّي الذي ربط بين التوحيد والتجريد والخدمة، خطاب التوحيد الذي ربط بين إفراد الله بالوحدانية والعبودية وفكّ الرقبة وإطعام ذي مسغبة واِقرأ…”.
اليشخ فريد الأنصاري الله: وشهادة هذا الرجل لها طعم خاص تميزه بما يلي:
- أنه من رجال الدعوة العاملين المحترقين بلفحاتها…
- أنه شهد بعد علم وبحث طويل في حركة الخدمة ورجالها وفي فكر وأعمال الأستاذ فتح الله كولن…
- أنه شهد وهو يهنئ الشعب التركي على إكرام الله له بأن جعل الأستاذ فتح الله كولن منهم…
- أنه شهد، وهو على فراش الموت يؤكد شهادته في الأستاذ كولن، ويكرر فخره بمعرفة الأستاذ وفرحته بوجود هذا النموذج من العلماء على درب الأنبياء، وأنه من مجددي العصر وبدون منازع…
قال رحمه الله: “… العلامات التي كنت أبحث عنها منذ ما يقرب من عشرين سنة لمجدد هذا العصر والفاتح الذي يفتح ظلمات هذا العصر علامات معنوية ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وموجودة في السيرة النبوية. جانب منها يتعلق بالمنهج وجانب يتعلق بطبيعة الإنسان الذي يقوم بهذا العمل. لقد وجدت الأستاذ كولن يقوم بالتعليم والتربية والتزكية والحكمة على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الحكمة في مجتمع كان فيه تضييق كبير، الأصل فيه أنه لا يقبل الدين. وقد عاش حفظه الله منفيا في بلده وخارج بلده، فاستطاع أن يسلك بهذه الحركة بر الأمان ولا يكون ذلك إلا بالحكمة… أمارات العالم المجدد هذه كانت قوية في منهجه… وأخيرا وجدت أن هذا هو الوالد الروحي الذي كنت أبحث عنه. وذكرت كم هي نعمة الله على هذا الشعب التركي الذي سخر الله له والدا روحيا يخرجه من الظلمات إلى النور. فلينظر هؤلاء الأتراك أي نعمة أنعم الله عليهم أن جعل هذا الرجل منهم”.
ولولا خوف الإطالة لأدرجت شواهد كثيرة لعدد من كبار العلماء في شتى أنحاء العالم من المسلمين وغير المسلمين، كلها تجمع على مكانة هذا الرجل العبقري في نفوس الناس، وأن وجوده في العالم المعاصر يعتبر مكسبا كبيرا للبشرية جمعاء، نظرا لرؤيته الإنسانية العميقة للأزمات التي تمر منها البشرية اليوم، ونظرا للنجاحات الباهرة التي تعرفها كل المشاريع والمؤسسات التي تحسب على مدرسته من جهة، ثم لما يتمتع به هذا الرجل من احترام وتقدير في كل الأوساط الدولية وفي كل التجمعات البشرية.
من أجل كل تلكم الأسباب فإن الاتهامات التي يتعرض لها الأستاذ فتح الله كولن والتطاول على شخصه وفي مناسبات مختلفة، يطرح تساؤلات جدية حول الجهات الحقيقية التي تقف وراء هذا السلوك الشاذ وللمرة الرابعة في تاريخ هذا العالم الكبير. وليست الافتراءات التي تُردَّد اليوم إلا رجع صدى لذات الافتراءات التي وجهت إلى هذا الرجل المجدد في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات هذا القرن من طرف فلول العلمانية مع بداية مشواره الحركي، ثم من طرف ضباط الجيش وكبار رجال ما عرف بقضية “أرجنكون” الذين توعد قادتُهم بالانتقام بمجرد خروجهم من السجن مؤخرا.
ثم هي ادعاءات تتكرر اليوم: من المستفيد الحقيقي من اتهام رجل من العيار الثقيل وعالم من علماء التجديد الكبار في عالم اليوم؟ إذن يبقى السؤال المحير و القديم الجديد قبل أي تفسير أو تأويل: من المستفيد الحقيقي من توقيف مسيرة هذا الرجل وعرقلة جهوده في البناء والإصلاح، ليس في تركيا فقط، بل في عدد من دول العالم كثيرة، كما يشهد بذلك قادة وزعماء هذه الدول؟
(*) د. عبد المجيد بوشبكة/ “مختبر الدراسات الإسلامية والتنمية المجتمعية”
جامعة شعيب الدكالي/ المغرب.
من موقع مجلة حراء