بقلم: إحسان يلماز، صحيفة ميدان
حققت مجلة نقطة نجاحاً صحفياً باهراً بنشرها المذكّرات والوثائق التي تتضمّن المباحثات السرية التي أجراها مسؤولو العدالة والتنمية بعد هزيمتهم الانتخابية في 7 يونيو/ حزيران المنصرم. ويمكن النقاش مطولاً حول الوثائق الخاصة بهذه اليوميات، وتقييمها من جوانب مختلفة. وهذا جهد ضروري جداً؛ ذلك لأنها تسلّط الضوء على نفسية حكّام هذا البلد الذين يمسكون بزمام الأمور منذ 13 عاماً بحيث نتمكّن من رؤية نفسياتهم مرسومة على أصلها وحقيقتها ولو بشكل جزئي.
ولو قيل لي: “لخص هذه المذكرات بجملة واحدة” لقلتُ: “إنها عبارة عن محاولات يائسة لقادة العدالة والتنمية من أجل التخلّص من رجب طيب أردوغان، بعد أن أدركوا أنه غدا عبئاً قاتلاً وثقيلاً على الحزب بسبب إجراءاته وممارساته، خاصة في أعقاب تولّيه رئاسة الجمهورية، مع أنه كان أحد أهم العوامل في النجاحات السابقة للحزب. أي إنهم يحاولون تخطي عائق أردوغان دون جدوى”. وبذلك نكون قد علمنا بأنه لا يوجد بين كبار قادة الحزب أحد يتمتع بشجاعة تقوده لقول الحقيقة ومكمن المشكلة في وجه زعيمهم أردوغان.
أجل، لا بد من شخص جريئ ليذكّر أردوغان بأن “الرسالة” التي يزعمون أنهم يحملونها في قلوبهم وأطلقوا مشوارهم السياسي من أجل تحقيقها كادت أن تموت بفضله هو، وأنها سيكبّر عليها ثلاثاً إن استمرّ في عدم الرضا عن حدود وضعه القانوني في الرئاسة وتدخّل في شؤون الحكومة. فما نوع هذه “الرسالة” بحيث تقدّمت عليها الأعمال والحسابات والمصالح الشخصية وأصبحت أهمّ منها. ولذلك فلا أحد يتجاسر على أن يقول لـ”الملك”: “أيها الملك، يوجد خطأ تقني طفيف”، لكي لا يخسر منصبه ومكانته.
كم هي نهاية مأسوية أن نرى دعوى “فكرة الإسلامية” التي نادوا بها فلسفياً ونظرياً تغرغر روحها وتلتقط أنفاسها الأخيرة في المياه الضحلة للمناصب والمكانة!
قادة العدالة والتنمية يتناقشون فيما بينهم: “هل نستمر في استقطاب المجتمع؟ فقد استفدنا من ذلك كثيراً، ولكن هناك من يقول إن ذلك لم يعد يجدي نفعاً الآن”.
وهذا ما كان ملحوظاً في محاولة بعض مسؤولي العدالة والتنمية، ولا سيما عبد الله جول وبولنت أرينتش، لتهدئة الأوضاع في أحداث حديقة “جيزي بارك”، في إزاء الرئيس أردوغان الذي كان يعمل على رفع حدة التوتّر وشدة الخطاب.
وأذكر أني كتبتُ مراراً عن ذلك في جريدة “تودايز زمان”. حتى إن أحد الصحفيين المقربين من أردوغان ذكر في أحد مقالاته بجريدة “مليت” أن شخصاً من المسؤولين المقربين من أردوغان قد قال له: “إن التوتر يزيد من أصواتنا الانتخابية”.
ونرى أن مضامين هذه اليوميات من ألفها إلى يائها تثبت صحة ما نقوله لقادة العدالة والتنمية بمنتهى اللباقة منذ 4-5 سنوات. فهم يعترفون بأنهم يستغلون كل أنواع المشاكل في البلد من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية، فضلاً عن ذلك فإنهم يسمون ذلك بـ”امتصاص العواطف مثل مصاصي الدماء”، كما يرد في هذه المذكرات.
كما يقرون بأنهم لم يفعلوا شيئاً يذكر بشأن حل مشاكل الأكراد والعلويين، رغم أنهم تحدثوا عن ذلك كثيراً. وكذلك يقارنون ما يفعلونه اليوم بالمعارضين بالمظالم التي ارتكبها الجنرالات العسكريون في غضون انقلاب 28 فبراير/شباط عام 1997، أي أنهم يدركون تماماً مايفعلون.
إنهم يعترفون أيضاً بأنهم حبسوا في دائرة ضيقة وسطحية من الإسلام السياسي، ويمنّون على الشعب أن قدموا له خدمات بضرائب المواطنين، ولا يستطيعون جذب أصوات الفئة المتعلمة المثقفة من الناس، وأخيراً يعترفون بأن حكايتهم قد انتهت.
على الرغم من كل هذه الاعترافات والتقييمات الصحيحة التي ساقها قادة العدالة والتنمية في هذه المذكرات، إلا أنكم ستخطئون إذا ظننتم أن هؤلاء القادة سيعيدون حزبهم إلى جادة الصواب والقانون والإنصاف والعدالة مرة أخرى. كلاّ، فهمّهم الوحيد هو الفوز في الانتخابات. ولذلك فهم يضعون خططاً لخداع ومراوغة قاعدتهم الشعبية التي تصل إلى 40% أو 45% كحد أقصى لكي يتمكنوا من تشكيل الحكومة بمفردهم.
ومن خططهم المقترحة في المذكرات أيضاً هو إرسال عدد كبير من الفتيات إلى الشوارع والساحات للدعاية لصالح العدالة والتنمية!
افسحوا المجال فإسلاميو ما بعد الحداثة قادمون!