عمر نورالدين
سلاما أيها الأحرار خلف القضبان وفي الزنازين.. سلاما إذا جن عليكم ليل الظلم وأنتم تحت قبضة السجان.. سلاما أيها الأحرار يامن تدفعون بالنيابة عن شعبكم ثمن الحرية وضريبة الحقيقة.. سلاما عليكم فأنتم زهرة الأوطان.. وأنتم من سيذكركم التاريخ عندما تزول دولة الظلم والطغيان.
طالعتني في الصباح وجوه هؤلاء الشجعان الذين لم يكن لهم سلاح إلا الكلمة.. أسماء لاتفارق الخاطر لاذنب لكل منهم إلا السعي لكشف الحقيقة عبر مقال أو صورة أو تغريدة قصيرة لاتزيد عن مائة وأربعين حرفا على تويتر لكنها كانت كفيلة بأن تقض مضاجع الطغيان وأن تحرك قوى الدولة وجحافل البطش والاعتقال لتغيبهم خلف القضبان.
في كل زمان وفي كل دولة هناك من يهبون أنفسهم للدفاع عن الحرية والكرامة، وهؤلاء دائما تخلد أسماؤهم في لوحات الشرف في كتب تاريخ الأوطان لأنهم يدفعون من حريتهم ثمنا لحرية الآخرين.. وفي أزمان الثورات ومراحل التحول الكبرى في حياة الأممم كان هناك دائما أبطال يقودون ثورة الوعي ويتقدمون الصفوف وتضعهم أقدارهم في المقدمة.
تجري على ألسنة الشعب التركي الآن أسماء كثيرة لم يحدث حولها الانقسام المعهود حول الأحزاب السياسية أو حول السياسات والتوجهات: هدايت كاراجا، رئيس مجموعة سمان يولو، بولنت كينيش رئيس تحرير صحيفة تودايز زمان، محمد بارانصو الكاتب بصحيفة طرف، الكاتب جولتكين أفجي، أكرم دومانلي رئيس تحرير صحيفة زمان السابق، الكاتب حسن جمال، لأن الجميع في تركيا يعرف أن الاعتداء على حرية هؤلاء سواء بالحبس أو المنع من السفر، ليس لأنهم إرهابيون كما تقول السلطة الحاكمة وإنما الهدف هو إسكات هذه الأصوات التي كانت كوخزات الضمير التي يتردد صداها وتؤرق ليل الظالمين.
ليست الصحافة الحرة إحدى الرفاهيات في المجتمع، فهي الضابط الحقيقي والرقيب الذي لا يغفل عن متابعة ما تقوم به السلطة والممارسات الخارجة على القانون وعرقلة دورها هو جريمة في حق هذا المجتمع، لا يكفي لردع من يقومون بها مجرد رفع الشعارات ورسائل التنديد والرفض، وإنما يجب أن تفرض العقوبات على الأنظمة الاستبدادية التي تمارس القمع ضد الصحافة والصحفيين وتلقي بهم في غياهب السجون لمجرد التعبير عن الرأي أو ممارسة مهنتهم ودورهم الأصيل في البحث عن الحقيقة وتقديمها مجردة إلى الشعب، صادف هذا هوى الحاكم أو خالفه.
عبر التاريخ كافحت الصحافة والصحفيون كثيرا من أجل حق الشعوب في الديمقراطية والحرية والحياة الكريمة، ووحدها الأنظمة الديكتاتورية هي التي طاردت الصحافة والصحفيين دائما، لأن هذه الأنظمة وإن بدت في قمة القوة والطغيان إلا أنها في حقيقة الأمر في غاية الضعف والاهتزاز ترتعش أمام كلمة حق أو رأي يكشف عن فسادها وتحللها.
كان عجيبا أن تشهد تركيا في القرن الحادي والعشرين حملات ضد الصحافة والصحفيين بتهمة تشكيل تنظيمات إرهابية لمجرد أن ما يكتبونه لا يوافق هوى الحاكم الذي يسعى للانفراد بكل شئ، وأصبح الاتهام بالإرهاب وإهانة رئيس الجمهورية من التعبيرات الدارجة على كل لسان في تركيا التي جرى الزعم بأنها ستكون تحت حكم العدالة والتنمية النموذج الديمقراطي الذي سيحتذيه العرب والمسلمون، فإذا به ينقلب إلى نموذج لنظام فاشي يقمع كل مخالف في الرأي وينعت بالإرهاب كل من يحاول كشف الحقيقة لأن ذلك يتعارض مع مصلحة من يرغبون في مواصلة مسيرة الاستبداد والفساد.لكن حتى إن غيب هؤلاء الشجعان وحتى إذا امتلأت السجون بمئات الصحفيين والكتاب والمفكرين المختلفين في الرأي مع سلطة قمعية وفاشية فإن الفكرة التي يدافع عنها هؤلاء لن تغيب في حنايا الزنازين المظلمة، لأن الفكرة لاتموت .. فسلاما أيها الأحرار.