عمر نور الدين
هل هناك حقا مؤامرة خارجية على تركيا ؟ هل هناك من يحاول عرقلة مسيرة أردوغان وحزب العدالة والتنمية؟ هل هناك أصابع خارجية تحرك ما يقع من أعمال إرهابية هنا وهناك؟
يحلو دائما للأنظمة والحكومات الضعيفة المكروهة من شعوبها أن تفسر كل شئ بعقلية المؤامرة والاستهداف الخارجي.. ويخرج المنتفعون والمهللون وحملة المشاعل لهذه الأنظمة ليفسروا كل حدث صغير أو كبير على أنه مؤامرة وعلى أن البلد مستهدف وأن هناك من يحسد زعيمنا..مع أن إسناد كل شئ إلى نظرية المؤامرة هو اعتراف بشكل ما أو بآخر بفشل الدولة وأجهزتها وعدم قدرتها على كشف ما يحاك حولها من مؤامرات والتصدي لها .. وإظهارها وكأنها ريشة طائر في مهب الريح .. أو أنها باتت خارج نطاق السيطرة.
عندما وقعت أحداث جيزي بارك في إسطنبول منتصف عام 2013 سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت، إلى الحديث عن الأصابع الخارجية والمؤامرة على تركيا، وطالت اتهاماته السفير الأمريكي في تركيا وامتدت إلى دول أخرى، وانبرت الصحف ووسائل الإعلام الخاضعة لأردوغان لتسويق فكرة المؤامرة، وذهبت إلى حد تفسير كل ما يحدث بغيرة زعماء العالم من أردوغان وزعامته الفريدة ونجاحاته التي لم يستطع أحد أن يحقق مثلها.
وفي هذا الوقت اختلف الرئيس التركي السابق عبد الله جول مع رئيس الوزراء أردوغان، كما اختلف معه نائب رئيس الوزراء بولنت أرينتش بعد أن صعد أردوغان من لهجته الحادة في وصف المتظاهرين من أجل الحفاظ على حديقة جيزي التاريخية بأنهم مجموعة من الفوضويين واللصوص والمخربين المدفوعين من الخارج.
أسدل الستار على أحداث جيزي بارك بكل ما جرى فيها، فيما عدا تفسير الأحداث من جانب الحكومة وإعلامها ومحلليها، الذين أطلوا مرة أخرى منذ الساعات الأولى للانفجارين الانتحاريين اللذين هزا العاصمة التركية أنقرة السبت الماضي، ليستبقوا جميع الإجراءات والتحقيقات، ليوجهوا الأنظار ببساطة إلى المؤامرة الخارجية على تركيا، أحدهم قال إيران وآخر روسيا، وثالث المخابرات السورية، وكذلك وزيرة شؤون المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بالحكومة التي أحالت الموضوع إلى أصابع خارجية.. فيما كان وزير الداخلية سلامي ألطن أوك يتحدث عن عدم وجود ثغرات أمنية في موقع التفجيرين الانتحاريين وكأن الانتحاريين اللذين فجرا نفسيهما أمام محطة القطار في منطقة صحية التي كانت تستعد لاستقبال مسيرة من أجل السلام والديمقراطية هبطا من السماء..!
بالطبع أراد هؤلاء من البداية إلقاء التهمة عن كاهل الحكومة وأجهزة الأمن التي أصابها الوهن بعد تسريح وسجن والتنكيل بكفاءاتها وخبراتها تحت زعم انتمائهم لما يسمى بالكيان الموازي الوهمي الذي جرى التسويق له من جانب الحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان على أنه سبب كل شر وبلاء في تركيا.
ورغم أن الحكومة تعلم من البداية بعدم وجود أصابع خارجية في تفجيري أنقرة بدليل أن رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو حصر الاتهام يقينا في أربعة تنظيمات هي العمال الكردستاني، والدولة الإسلامية الإرهابي( داعش) وجبهة التحرير الثوري الشعبي والحزب الشيوعي ، إلا أن أحدا لم يمانع في أن ينطلق محللو الحكومة وأبواقها في الزعم بوجود مؤامرة خارجية وأصابع خفية من الخارج تحرك كل صغيرة وكبيرة في تركيا وكأن تركيا بلد مفتوح لكل أنواع المؤامرات وكأنه بلا أجهزة أمنية أو مخابرات.
ولايختلف هذا المنطق الأخرق عن منطق التبرير ومحاولات الهروب من المسؤولية الذي اتبعه رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو الذي حاول إبعاد حزب العدالة والتنمية عن الصورة بقوله إن الحكومة الحالية ليست حكومة العدالة والتنمية لكنها حكومة مؤقتة تسير شؤون البلاد حتى موعد الانتخابات المبكرة في الأول من نوفمر/ تشرين الثاني المقبل.
ولايبتعد عن ذلك أيضا نغمة محاولات تشبيه ما حدث في أنقرة بأحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، وأنها هجمة منظمة مفاجئة على تركيا مع إغفال أن تركيا تعيش في أجواء اضطراب أمني منذ إعلان نتائج انتخابات السابع من يونيو / حزيران الماضي، التي خسر العدالة والتنمية الأغلبية فيها، والتي تفجر بعدها كل ما تشهده تركيا من اضطرابات لأن نتيجتها لم تأت على هوى البعض، وبالتالي فإن عنصر المفاجأة في أحداث أنقرة غائب تماما بعكس أحداث 11 سبتمبر كما أن أحداث أنقرة سبقتها تفجيرات مشابهة في سروج وديار بكر بالطريقة نفسها.
واقع الأمر، أنه إن كانت هناك مؤامرة على تركيا فهي مؤامرة من الداخل غذتها الأغراض السياسية ودفعتها للأمام السياسات الخاطئة وسوء تقدير الأمور في جغرافيا حافلة بالاضطرابات والأزمات وانغماس من جانب من يحلمون بالسلطة المطلقة والزعامة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، في حرب ضد المجتمع وإشعال نار الفتنة والاستقطاب وانشغال أجهزة الأمن بمطاردة الوهم المسمى بالكيان الموازي واعتقال الصحفيين ومداهمة المؤسسات المعارضة للحكومة سعيا لإسكات الجميع وترهيبهم.. بينما الدماء البرئية تراق في كل الساحات والأطراف في صورة تعكس غياب سيطرة الدولة تحت زعم المؤامرة الكونية على تركيا.