تحليل: زكائي أوزتشينار
لا تنقشع السحب السوداء التي تخيّم على تركيا؛ فمؤخرًا صبّت مصائبها كسيل عارم وخيمت على أنقرة في هجومين انتحاريين أسفرا عن مقتل 97 شخصًا وإصابة المئات.
إن الكلمات لتعجز عن وصف المنظر الدموي الذي خلّفه التفجير؛ جثث هامدة وجرحى وأجزاء بشرية ملتصقة بملابس وأوجه الناس. كان المشهد مؤثرًا ومؤلما للغاية، إلى درجة أن صدمة الحادث تجاوزت مكان التفجير وعمّت تركيا برمتها.
وعقب وقوع التفجير سُرعان ما تم إخلاء أكثر الأماكن ازدحمًا وحركةً في العاصمة مثل مناطق “أولوس” و”كيزيلاي” و”باكانليكلار” ومراكز التسوق. وكان هناك الكثير من المواطنين الذين انتابتهم حالة من القلق والتوتر يحاولون الوصول إلى منازلهم أو إلى مكان بعيد عن هذه الأجواء المتوترة.
وفي اليوم التالي ليوم الحادث المؤلم كانت تسود حالة من الصمت في أنقرة. لكن كان يوجد فقط صريخ وعويل أقارب الضحايا والمصابين في التفجيرين. ويمكن القول بأن المرحلة التي آلت إليها البلاد جعلت المواطنين يخافون أكثر من أي وقت مضى لدرجة أنه لم يعد أحد يشعر بأنه في أمان. إننا أمام إحصائية تشير إلى استشهاد 145 شخصًا ومقتل 235 مدنيًّا خلال شهرين ونصف الشهر. وبات من المتوقع في أية لحظة أن تنفجر قنبلة في أي مكان لا نتوقعه أبدًا.
الحكومة شغلها الشاغل صندوق الانتخابات
لاريب في أن الإرهاب يستحق أشدّ عقاب. ومن ناحية أخرى فمن الواضح تمامًا أن ثمة خلل أمني كبير في البلاد. وثمة مسؤولية على الذين يديرون البلاد.إذ واجبهم هو الحيلولة دون الهجمات الإرهابية والتفجيرات والمذابح.
والأمر الباعث على الدهشة والغرابة هو أنه ليس هناك حتى الآن أي وزير أو مسؤول واحد قدّم استقالته عقب تلك الأحداث التي حولت البلاد إلى بحيرة من الدماء.
والأدهى من ذلك أن حكومة حزب العدالة والتنمية المنزعجة من تذكر المسؤوليات التي تقع على عاتقها لا تزال تلهث وراء اختلاق متهمين من غيرهم. بل إنهم يتصرفون بشيء من القلق تحسبًا لانعكاس ردود فعل الرأي العام على صناديق الانتخابات”.
لا أحد يرى نفسه مسؤولا عما يحدث
يخرج رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو عقب كل مذبحة أو هجوم تفجيري أمام الإعلام الموالي فقط حتى لا يسأله أحد سؤالا يزعجه. وقال عقب تفجير سوروج معلقًا على العمليات التي تستهدف تنظيم داعش الإرهابي ومنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية “الدولة أظهرت قدرتها وقوتها”.
وعقب هجوم داغليجا بمدينةهكّاري جنوب شرق البلاد قال داوداوغلو: “لم نترك الدولة بلا حكومة، ولنبد موقفا مشتركا تجاه الإرهاب، إن المعارضة مخطئة وخاصة زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي صلاح الدين دميرطاش، وسأجتمع مع زعماء أحزاب المعارضة” وما شابهها من نغمات وكلمات معهودة.
وهذه المرة أضاف تعبيرًا غريبًا عندما قال: “إن الحكومة الحالية ليست حكومة حزب العدالة والتنمية بل حكومة مؤقتة حتى الانتخابات”. وأوضح أنهم سيكونون مستعدين للمحاسبة إلا أنه نسي المسؤولية السياسية.
وجدد دعوته للقاء زعماء الأحزاب الأخرى. واستمع إلى الانتقادات الشديدة خلال لقائه كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في البلاد. فيما رفض دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية دعوته قائلا “إنه (داود أوغلو) يريد أن يلقي بالمسؤولية من عن عاتقه عبر لقائه بالمعارضة”.
والوزراء أيضًا في نفس الأجواء ويرددون نفس العبارات التي يظنون أنها تنقذهم من المسؤولية. إذ يرى وزير الداخلية سلامي ألطين وأوك كأنه ليست ثمة ثغرات أمنية في تفجيرات أنقرة. وكأنه لم يحدث انفجار أصلا أو لم يقع كل هذا الكم من الخسائر في الأرواح؛ بل وكأن موقع الحادث يوجد في بلد آخر. والأدهى من ذلك أن وزير العدل كنعان إيبيك يبتسم عندما سُئل عما إذا كان سيقدم استقالته أم لا. كما أن موقف وزراء الحكومة مشترك فمفاده “لسنا مسؤولين تجاه الشعب بل تجاه أردوغان فقط” وهذا الموقف بات ساريا على الحكومة بأكملها.
إن الحقائق واضحة مثل الشمس ولا يمكن إخفاؤها أبدًا. والناس في أنقرة ليسوا مطمئنين ولا يحسون بأمان حقيقي حتّى ولو كانوا يسيرون في شارع لا يبعد إلا مسافة عشرات الأمتار من البرلمان أو مقر رئاسة الأركان العامة أورئاسة الوزراء.