علي أونال
1-الكل بات يلاحظ أن الشرق الأوسط على وشك تغيير الخرائط.
ألف الصحافي والدبلوماسي الإسرائيلي السابق المعروف “أوديد ينون” كتاباً تحت عنوان ” A Strategy for Israel in the Nineteen Eighties” (استراتيجية من أجل إسرائيل في الثمانينات)، ونشرته في شباط 1982 صحيفة كيفونيم “Kivunim”، ثم قام البروفيسور والناشط الحقوقي الإسرائيلي المعروف “إسرائيل شاحاك” أستاذ الكيمياء العضوية في الجامعة العبرية ورئيس الرابطة الإسرائيلية للحقوق الإنسانية والمدنية، بترجمته إلى الإنكليزية وكتابة مقدمة وخاتمة له ونشره تحت عنوان ” The Zionist Plan for the Middle East” (الخطة الصهيونية للشرق الأوسط).
ويقول الصحافي والكاتب الأمريكي “رالف شونمان” في كتبه التي ألفها عام 1988، نقلاً عن أوديد ينون، إن العراق سيُقسَّم إلى 3 دول، وأن سوريا ستُقسم إلى 4 دول، منها دولتان سنيتان متناحرتان في الشمال والجنوب، ودولة درزية على حدود لبنان، وأخرى نصيرية في اللاذقية. وتقع خطة التقسيم هذه ضمن “مشروع الشرق الأوسط الجديد” الذي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق على القنوات التلفزيونية أنه الرئيس المشارك فيه. وكما بيّن العديد من الكتَّاب، فإن غاية وجود حزب العمال الكردستاني هي أن يكون أداةً في رسم السياسة التركية وإعادة تشكيل المنطقة. وكثيرا ما ذكرت وسائل الإعلام أن المباحثات التي جرت في مدينة “أوسلو” النرويجية بين زعماء العمال الكردستاني ورجال المخابرات الوطنية نصت على محاكمة قوات الأمن التي كافحت الإرهاب في جنوب شرق تركيا، واستبدال الموظفين الرسميين الذين من الممكن أن يكونوا عثرة في طريقهم، إلى جانب التعهّد بإمكانية نشر قوات الأمم المتحدة في هذه المنطقة.
وقد شهدنا تطبيق هذه البنود على الساحة فعلاً خاصة بعد ظهور فضائح الفساد الكبرى عام 2013، حيث إن أكفأ ضباط الأمن المختصين في مكافحة الإرهاب والإرهابيين في جنوب شرق تركيا كلهم تقريباً أصبحوا في السجون حاليا. كما أن أردوغان وداود أوغلو وأطالاي قد اعترفوا علناً بتكبيل يدي الشرطة والعسكر وإفساح المجال أمام العمال الكردستاني ليزداد قوة أكثر من السابق في أثناء “عملية السلام”. وكذلك اعترفت نائبة رئيس المخابرات “آفت جونش” في الفترة التي أجريت فيها مفاوضات أوسلو بأن المنظمة الإرهابية قد ملئت كل المدن الكبرى بالمتفجرات على مرأى ومسمع جهاز المخابرات. والآن نرى أن المنظمة التي نزلت من الجبال إلى المدن في فترة عملية السلام على وشك الانتقال إلى مرحلة حرب الشوارع والمدن في استراتيجيته الحربية. وهذا يعني أن تركيا مقبلة على حرب أهلية. وأرى ضرورة التذكير بأن القرار الصادر عن الأمم المتحدة برقم 1973 ينص على ما يلي: “إذا قامت الدولة العضو بقمع المدنيين والمقاومين حتى لو كانوا من شعبها، فحينها يحق للأمم المتحدة أن تتدخل في ذلك”.
2-قضية تنظيم داعش. هذا التنظيم ظهر إلى العلن فجأة قبل عدة سنوات، وتوسع دفعة واحدة في المنطقة الممتدة من أواسط العراق إلى العمق السوري. وكما لا يمكن اليوم أن تتشكل أي منظمة كهذه وتتوسع بهذه السرعة دون علم الدول والقوى الكبرى بصفة خاصة، كذلك لا يمكن تنفيذ عمليات إرهابية كبرى دون علم الأجهزة الاستخباراتية. فداعش تعمل على تقسيم العراق إلى 3 دول، وسوريا إلى 4 دول بينها دولتان سنيتان متناحرتان. وهذا يعني أن داعش أيضاً أداة أخرى في حرب أهلية قد تظهر في تركيا. أما حكومة حزب العدالة والتنمية فنجد أنها زجّت جميع رجال الأمن والقضاء الذين حققوا في قضية شاحنات المخابرات التي كانت تنقل أسلحة لداعش، وكذلك الذين أشرفوا على قضايا المنظمات الإرهابية الأخرى كتنظيم القاعدة، ومجموعة “تحشية” الموالية له، وقضية تنظيم السلام والتوحيد الإرهابي الإيراني؛ بل أودعت أيضا الصحفيين من أمثال “جولتكين أوجي” الذي كشف عن أنشطة هذا التنظيم عبر كتبه ومقالاته المنشورة في جريدة بوجون.
3-إن العدالة والتنمية الذي اهتز وصدم بعمليات الفساد في 17-25 ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، والذي اعترف بعض مسؤوليه بأنه “مضطر” للبقاء في السلطة، لم يتمكن من الانفراد في الحكم عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة. وكان أردوغان قال في دعاياته الانتخابية: “امنحونا 400 نائب برلماني لتحلّ هذه المشكلة بسهولة وسلامة”؛ فيما زعم عدد من مسؤولي الحكومة بـ”ظهور حالة عدم الاستقرار في البلاد؛ لأن انتخابات 7 يونيو/حزيران لم تسفر عن انفراد العدالة والتنمية في السلطة”؛ بينما قال الآخرون منهم “إن مسيرة السلام انتهت؛ ذلك أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي هو من حصل على الأصوات”.
4-عندما قُتل 3 شبّان مسلمين في أمريكا خاطب أردوغان أوباما وبايدن بقوله: “نحن السياسيون مسؤولون عن الجنايات التي تحصل في بلادنا. لأن الشعب عندما ينتخبنا فهو يطالبنا بأن نحافظ على روحه وماله”. وحول تفجيرات شارلي إيبدو خاطب فرنسا بقوله: “هل جهاز الاستخبارات لديكم متوقف عن العمل”؟ أفلا يعلن أردوغان بهذه التصريحات من هو المسؤول الأساسي عن الأعمال الإرهابية التي تجري في تركيا أيضاً؟!
5-إن تركيا منذ نوفمبر 2002 حتى الآن تعيش المرحلة الرابعة من المراحل الانقلابية الثلاث التي مرت بها فيما بين 1950-1960، و1965-1980، و1983-2001. في حين أن العدالة والتنمية اليوم يعمل جنباً إلى جنب مع الانقلابيين، بما فيهم “دوغو برينجيك” الذي وصفه رئيس دائرة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات “محمد أيمور” بأنه جاسوس مكلف بنشر الفوضى في تركيا لصالح الدولة التي يعمل لحسابها، ويتعاون مع تنظيمات وتشكيلات ورجال من أمثال زعيم المافيا المعروف والمحكوم السابق “سدات بكر” الذي قال قبل يوم واحد من التفجير الذي هزّ العاصمة أنقرة: “سنسيل أنهاراً من الدماء.. إنهم سيدركون عندما تسيل دماؤهم كما يجري الماء في الأنهار”، وذلك في لقاء جماهيري طلب فيه دعم الرئيس أردوغان. إلا أن أنصار العدالة والتنمية من شعبنا ينساقون بإرادتهم الذاتية وراء المرحلة التي نعيشها للمرة الرابعة، ولذلك “سنرى جميعاً ما كتب لنا في نهاية المطاف”.