مصطفى أونال
بدأت تركيا تدخل الأجواء الانتخابية رويداً رويداً. ولم تعد تفصلنا عن صناديق الاقتراع سوى أيام قليلة.
لن تكون هذه الانتخابات عادية لأنها إعادة لانتخابات 7 يونيو/ حزيران. أما الشعب فقد تعب من تكرار الذهاب إلى صناديق الاقتراع، لأنه خاض 3 عمليات انتخابية في مدة وجيزة، وها هو الآن على وشك إجراء الرابعة منها. وطبعاً ليس من السهل إثارة رياح الانتخابات في مثل هذه الظروف. ولكن الأحزاب مضطرَّة إلى ذلك. فالرياح والظروف أو الأجواء المناسبة هي التي تحقق النجاح الانتخابي.
إن انتخابات 1 نوفمبر/ تشرين الثاني ليست من قبيل الانتخابات العادية. إذ إن قدر البلد مرهون بنتيجة هذه الانتخابات. فتركيا على مفترق طريق تاريخي، وهذه الانتخابات ستحدد مسارها. فإما أن تكمل سيرها في الطريق المسدود بلا جدوى، وإما أن تخرج من هذا الطريق. وكل الأحزاب الكبرى والصغرى تتمسك بهذه الانتخابات، وتسعى للحصول على مزيد من الأصوات، فحزب العدالة والتنمية له ادعاءاته، وكذلك حزبا الشعوب الديمقراطي والسعادة لهما ادعاءاتهما.
كيف يمكن لسفن الأحزاب أن تُجري الرياح في صالح أشرعتها؟ من خلال المرشحين المتميزين، أو الوعود، أو الأداء الذي تبديه أثناء الدعاية لنفسها. وقد تم تحديد المرشحين وإعداد البيان الانتخابي. كما نزل الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوداوغلو، وزعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو إلى ساحة المنافسة الانتخابية. وحان دور الآخرين. فالدعاية الانتخابية لن تظل مقتصرة على الحملات الانتخابية. فشاشات التلفزة ستُستخدم أكثر هذه المرة. أما القوة الإعلامية فهي بيد العدالة والتنمية. ولكن أجواء الإعلام الموالي للحكومة عكرة، ومن الممكن أن تعكّر أيضاً رسائل الحزب الحاكم إلى الشعب.
وكنتُ قد ذكرتُ البيانات والوعود الانتخابية لكل من أحزاب الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي. وأخيراً أودُّ التطرق باختصار لوعود العدالة والتنمية أيضًا. فقد أعلن حزب السعاد وحزب الوحدة الكبرى بيانيهما الانتخابيين وأسماء مرشحيهما للرأي العام في اليوم نفسه. وجمع كل من الحزبين عدداً فاق التوقعات من الأنصار حيث ملأوا صالة الاجتماع.
هذا وإن الشعار الذي ينادي به حزب الوحدة الكبرى شعارٌ ذو معنى عميق: “1 نوفمبر موعد لانتخاب الكرامة؛ فحدد موقفك”. ومن جانبه قال زعيم حزب السعادة مصطفى كامالاك: “إن العدالة والتنمية جر البلاد إلى حافة الانقسام”. أما شعار حزب السعادة فهو: “استمع إلى صوت قلبك، لتسمع صوت حزب السعادة”. وباختصار فقد خاطب الناخب بقوله: “اذهب إلى حيث يأخذك قلبك، فستجد هناك حزب السعادة”.
غير أن العدالة والتنمية لأنه طبق “الاعتماد الصحفي” للموالين له فقط فلم أتمكّن من متابعة بيانه الانتخابي الذي أعلن عنه عقب اجتماع عقده من أجل ذلك. فالتعامل التمييزي اتخذه العدالة والتنمية سياسة يتعبها في كل صغيرة وكبيرة في السنوات الأخيرة، وبات لا يفتح أبوابه إلا لمؤيديه. أليس من المفترض أن تكون وعود حزب ظل في السلطة طوال 13 عاما وعوداً منتقاةً بعناية ودقة فائقة؟ فضلاً عن أنه من يتحمل مسؤولية المشاكل الراهنة التي تعانيها البلاد. لا شكّ في أن تركيا تعيش الآن أسوأ مراحل تاريخها وأكثرها غموضا. فلا يمكن الحديث عن وجود سلطة تدير شؤون البلاد كما ينبغي بل إنها تُساق نحو الهاوية. فالنظام القائم عليه الدولة قد انهار، والبنية الاجتماعية دمرت والعدالة غيبت منذ زمن بعيد. وازدادت جرائم وأخطاء الحكومة بحيث شهدت نسبة الرضا عن الأوضاع الحالية تدنّياً كبيراً جداً، الأمر الذي يحتم عليها أن تمارس قبل كل شيئ مبدأ النقد الذاتي.
فلا يحق للعدالة والتنمية أن يتذمر ويشتكي، وأن يلقي باللائمة على الآخرين كما تفعل الأحزاب الأخرى. وقد نظرت بإمعان في بيانه الانتخابي، فلم أجد فيه العناية والخبرة المأمولة، فكأنه حزب يخوض الانتخابات للمرة الأولى. حيث يُطلق داوداوغلو وعوده السياسية والاجتماعية والاقتصادية تباعاً. ورفع بعض الأرقام كالحد الأدنى لأجور لعمال، وزيادة رواتب المتقاعدين. مع أنه انتقد المعارضة بسبب هذه الأرقام في انتخابات 7 يونيو/ حزيران، وقال حينها: “أين الموارد”؟ فهو ضرب نفسه بسلاحه.
وقد نال النظام الرئاسي حيزاً أكبر. علما أن داوداوغلو قال عقب انتخابات 7 يونيو/ حزيران: “لم يأذن الشعب بالنظام الرئاسي”. فهل يا ترى ذكر داوداوغلو وعده بالدستور الجديد وبالنظام الرئاسي مقتنعا بذلك؟ لا أظن ذلك أبدا. فهو أيضا يعلم أن حصول حزبه على 376 مقعداً برلمانياً بات خيالاً، ولم يعد بإمكان حزبه وضع دستور جديد للبلاد.
أما أكثر وعوده غرابةً فهو ما يتعلق بالمواطنين العلويين. حيث وعد العدالة والتنمية بأن يمنح دور أماكن عبادة العلويين صفة قانونية. فلماذا لم تفعل ذلك طوال مدة حكمك حتى الآن؟ هل كان هناك من يمنعك؟ فقد جمع العدالة والتنمية زعماء العلويين على طاولة واحدة، وتحدث معهم مراراً، ولكن عندما حان موعد التنفيذ توقف وتراجع عن وعوده، فثمة وعود مجردة دون إجراءات فعلية. ولذلك فإن وعده هذا غير مقنع. حتى إن المسألة العلوية تعتبر من أسوأ الملفات في سجل العدالة والتنمية. وكذلك الأمر في قضية الفساد، فداوداوغلو لم يتمكن من تقديم الوزراء الأربعة المتورطين بأعمال الفساد للمثول أمام المحكمة العليا. بل برَّأهم في البرلمان ولـمـَّع صورتهم. ولا معنى للكلمات التي تُطلق على عواهنها لتسويق السياسات للحصول على مزيد من النفوذ.
يجب النظر إلى أعمال وإجراءات العدالة والتنمية لا وعوده المجردة، فهو يعد الشعب بالجنة، ولكن إجراءاته كما في سوريا تؤدي إلى الجحيم. فوعوده بيضاء وأعماله سوداء