علي أصلان
يتفق الجميع على أن التدخل العسكري الروسي في سوريا والعرض الذي استعرضه بوتين في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي يعني من حيث الاستراتيجية تحدّياً واضحاً لأمريكا والقول “إنني كذلك موجود في منطقة الشرق الأوسط”.
غدت روسيا بعد الغارات الجوية التي استهدفت القوات المعارضة للنظام السوري والمدعومة من قبل واشنطن بـ”حجة مكافحة تنظيم داعش” والتي تسعى لتقوية قواعدها العسكرية في سوريا، مصدرا كبيرا للمشاكل بالنسبة لأمريكا ودول حلف الناتو بما فيها تركيا. ولكن إدارة أوباما مصرة على عدم التدخل في أمور قد تجلب عليها مشاكل أكثر من المنافع. أي إنها لا تنوي الدخول في نزاع مع روسيا من أجل سوريا.
وأفادت صحيفة” واشنطن بوست” بأن الرئيس الأمريكي عقد اجتماعا رفيع المستوى مع مستشاري السياسة الخارجية مساء الخميس الماضي، وقرر عدم مواجهة روسيا في سوريا مباشرة. ولكن أمريكا ستتبع طريقة جديدةفي مكافحة داعش، بما فيها إرسال أسلحة للمقاتلين العرب والأكراد في سوريا بصورة مباشرة.
يرى أوباما أن التدخل الروسي في سوريا ناجم عن ضعف وليس عن قوة. وقد صرح أوباما في اجتماع صحفي يوم الجمعة الماضي بأن دولتي القذافي والأسد التي دعمتهما روسيا في الشرق الأوسط قد انهارتا، وهي اليوم مضطرة إلى إرسال جنودها وطائراتها لمساعدة النظام الروسي لمنع سقوطه.
وبحسب رأي أوباما، فإن النظام الروسي سيغرق في المستنقع السوري إذا ما استمرت على هذا النهج. وقد حذَّر نظيره بوتين في اللقاءات الثنائية من مغبة ذلك. ويشير أوباما إلى أن روسيا تكسب عداء غالبية المعارضة السورية والعالم العربي السني بهذه السياسة. وفي خطابه لدى الأمم المتحدة لفت أوباما إلى أن أية دولة من دول العالم لم تنضمّ إلى صفّ روسيا بوتين في أعقاب دعوته المجتمع الدولي إلى الانضمام لتحالفه الشخصي.
في الحقيقة إن أوباما محق بعض الشيء فيما ذكره في صدد دفاعه عن نفسه والدعاية لسياساته، لأنه كثيراً ما اعتبر المسؤول السياسي عن تعميق الأزمة السورية. إلا أن مجلس الأمن القومي الأمريكي، وبخاصة المخابرات والبنتاجون، لا يشعر بالراحة إزاء ما يمكن أن يتمخض عنه التدخل الروسي في سوريا من مشاكل واضطرابات على المديين القريب والبعيد بقدر أوباما الذي سيغادر منصبه في السنة القادمة. حيث إن أولى العمليات التي نفذتها روسيا في سوريا كانت قصف مجموعة من قوات المعارضة التي لقيت التدريب على يد المخابرات الأمريكية.
ولا شكّ في أن أمريكا إذا ما قدمت القوات المعارضة المدربة من قبلها كلقمة سائغة لروسيا، فإنه من الممكن أن تهتزّ مكانتها ليس في سوريا فقط بل العالم كله. وقد تقلب روسيا حسابات الناتو في المنطقة رأساً على عقب من خلال تمركزها في الشرق الأوسط وشرق المتوسط، ما يعني أن الأمر في غاية الخطورة والجدية.
كما أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي تخوض غمار المنافسة الانتخابية على منصب الرئاسة الأمريكية، تختلف من وقت لآخر في وجهة النظر مع أوباما زعيمها السابق. فقد أدرجت موضوع حظر الطيران في جدول الأعمال من جديد، وهو الأمر الذي تطالب به تركيا منذ زمن بعيد.
وكنت قد التقيتُ بالسفير الأمريكي السابق في أنقرة وبغداد جيمس جيفري واطلعت على آرائه في هذا الصدد، فقال لي: “إذا لم يتم الرد سريعاً على التدخل الروسي، فإنه سيكون كارثة بالنسبة لأمريكا وتركيا والشعب السوري”. كما أشار جيفري إلى أن روسيا قد تتمكن على المدى البعيد من إقصاء الناتو عن المنطقة العسكرية التي قد تنشئها في جنوب تركيا ومنطقة البحر المتوسط والقوقاز، معرباً عن قلقه من أن يؤدي ذلك إلى حصول ضعف في قابلية الإقناع والردع الأمريكين في المنطقة والعالم.
ويرى جيفري أن التدخل الروسي يشكل تهديداً مباشراً أيضاً لسياسة تركيا “المحقة” المطالبة بتغيير النظام السوري على المدى القريب. وأضاف جيفري: “إذا ما أنشأت أمريكا وتركيا منطقة حظر في الشمال السوري، وإذا ما استمرتا في دعمها بل زيادة دعمهما لقوات المعارضة، فإن روسيا لا تمتلك القوة الكافية للحيلولة دون ذلك، حتى إن بوتين لا يجرؤ على ذلك”. لكنه أشار أيضًا إلى أنه إذا قدمت أمريكا وتركيا التنازلات ولم تتفقا على المبادئ الأساسية، فإن بوتين من الممكن أن يكون هو الفائز. كما يرى جيفري أنه على تركيا أن ترضى بالدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردي، وعلى أمريكا أن تتقبل الدعم التركي لبعض المجموعات الإسلامية.
وقال بوتين في خطابه الذي ألقاه في الأمم المتحدة بنيويورك إنه يجب دعم القوات الكردية التي تُعتبر من أكثر القوى الفاعلة في مكافحة داعش في سوريا. وهو في ذلك يلتقي مع وجهة نظر واشنطن. وترى الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط جونول تول أنه في مثل هذا الظرف ليس من السهل الموافقة على اقتراح أنقرة بإنشاء 3 مدن تتسع كل منها لـ100 ألف شخص، في المنطقة الممتدة بين بلدتي جرابلس وأعزاز في الشمال السوري.
كما ترى تول أن الغارات الجوية الأمريكية إذا ما حدّدت وقيّدت بسبب تحركات روسيا، فإن حاجة واشنطن إلى قوة برية أي إلى الأكراد ستكون أكثر ماسة. وخلاصة القول: إن تركيا لا تُدفع إلى قبول الأسد في سوريا لمدة معينة وكفى، بل تدفع أيضاً إلى التحالف مع امتداد حزب العمال الكردستاني في سوريا في وقت تحاربه على أراضيها. وإذا كان المشهد ذلك فإنه من الصعوبة بمكان الزعم بأننا نعيش حالياً نصراً في السياسة الخارجية.
إن الأمر الأساسي الذي يؤسف له في تركيا الحالية هو الفوضى السياسية الداخلية الكبيرة التي تعيشها في زمن يُعاد فيه تأسيس الموازين في المنطقة بصفة عامة وسوريا بصفة خاصة. ولذلك فإن عظام أحمد حاكان جوشكون الصحفي في جريدة “حريت” ليست هي الوحيدة التي كُسرت عند الاعتداء عليه، بل إن حكومة حزب العدالة والتنمية تكسر من خلال هذه الحملات الفاشية التي تهدّد السلام الداخلي الركائز التي تقوم عليها تركيا أيضاً.