بقلم: بولنت كوروجو
بعد ظهور الأعمال الإرهابية فجأة إثر انتخابات 7 يونيو / حزيران الماضي بلغ الإرهاب أعلى مستوياته في منطقة داغليجا الواقعة بمدينة هكاري التركية الحدودية مع إيران حيث شهدت اشتباكات بين عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية وأفراد الجيش تمخضت عن استشهاد أكبر عدد من أبناء الوطن دفعة واحدة.
ويتفق الجميع على أنه حان وقت البحث عن إجابات شافية لعديد من الأسئلة من قبيل: أين وقع الخطأ؟ من المسؤول عن إراقة هذه الدماء؟ بل إننا تأخرنا في طرح هذه الأسئلة.
أولاً وقبل كل شيء، يجب علينا أن نحدّد أن المنظمة الإرهابية هي المسؤول الأول عن إراقة هذه الدماء بلا شك، مع العلم بأنها تعمل ما هو متوقع منها أصلاً؛ ذلك أن التنظيمات الإرهابية تتغذى على الدماء. إذ ترى تلك التنظيمات أن صيتها يعلو كلما قتلت المزيد من الناس، ونفّذت عمليات مفجعة من شأنها إثارة ضجة كبرى. ومن ثم تسخّر هذه الضجة واللغط لدعم ميليشياتها ورفع روحها المعنوية؟ وهكذا تمضي الحلقة المفرغة في دورانها.
ولاشكّ في أننا إن لم نحاسِب الأشخاص والمؤسسات التي فتحت الطريق أمام المنظمة وهجماتها الإرهابية الغاشمة، سواء كان إهمالاً أو عمداً، فإننا سنظل نُلدغ من الجحر نفسه. علينا أن نعرف أولا أن مكافحة الإرهاب لا تنجح بقتل الإرهابيين فقط. فبينما نردّ على السلاح بالسلاح يجب علينا في الوقت ذاته أن نجد طريقاً آخر لتحقيق النتيجة المرجوة. كانت مفاوضات السلام تشكّل أملاً وحلاً بديلاً في هذا الصدد، لذا تبناه الشعب وتوسم الخير منها وأيدها. ولا تعني النتيجة الفاشلة لهذه المفاوضات خطأ في الأهداف والنوايا، بل الخطأ يكمن في الطريقة والوسائل التي أديرت بها المفاوضات.
يعترف الجميع، بدءاً من الرئيس رجب طيب أردوغان إلى رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، بأن العمال الكردستاني جمع وخزّن أسلحة خلال فترة مفاوضات السلام. كما أفادت صحيفة “صباح” الموالية للحكومة في عنوانها الرئيسي بأنها خبّأت 80 ألف قطعة سلاح في المدن الكبيرة. وكذلك قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية ياسين أكطاي: “للأسف تغاضت الدولة عن المنظمة الإرهابية بعض الشيء”. وكل هذه التصريحات اعتراف رسمي بأن الحكومة لم تسيِّر مسيرة السلام بشكل صحيح. وسبق أن وجّه الخبراء تحذيرات لمسؤولي الحكومة في هذا المضمار قبل تفجّر وتفاقم الأحداث، لكنهم كمّموا أفواه معظمهم بحجة أنهم يسعون لإفشال مسيرة السلام. بل إن الحكومة لم تبالِ حتى بتحذيرات المتخصصين المقربين منها.
أعدّت جمعية الإغاثة الإنسانية (İHH) المقربة من الحكومة تقريراً حول “القضية الكردية ومسيرة السلام” تضمّن ملاحظات مهمة جداً. حيث تحدث رئيس الجمعية بولنت يلدريم عما يتعلق بالعمال الكردستاني قائلاً: “لقد تأسست دولة موازية في المنطقة (دولة العمال الكردستاني)، تجمع الضرائب، وتخضع الناس للرقابة الأمنية، وتمنع تجارة العقارات. وقد بات الناس يشعرون بالفزع الكبير”. إذن فهل يمكن الزعم بأنه ليست هناك أية أخطاء للمشرفين على مفاوضات السلام التي أفرزت هذا المشهد المرعب؟ لذلك نرى أن رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحركة القومية أوكتاي فورال انتقد الحكومة والرئيس أردوغان بقوله: “ألم تكونوا تعلمون بأن العمال الكردستاني منظمة إرهابية عندما جلستم معه على طاولة المفاوضات؟ أم كنتم تظنون أنه نادٍ رياضي لتسلق الجبال؟!”.
ليس للمسؤولين عن إجراء مفاوضات السلام أي مفرّ من أن يدفعوا الثمن من الناحيتين السياسية والقانونية. فهناك اعترافات رسمية بأن المنظمة الإرهابية ملأت المدن بالأسلحة والمتفجرات. وبما أن القانون في هذا البلد أدان واعتقل سابقاً عديداً من المواطنين لأنهم خضعوا للضغوطات المسلّحة للعمال الكردستاني وزوّدوه بالخبز والماء، فلا بد من أن يخضع هؤلاء المعترفون للمحاسبة القانونية أيضاً. لذلك قد يواجه جميع المسؤولين سلسلة من التهم كالاستهانة بأداء الواجبات، وإساءة استغلال المناصب، بل حتى دعم الإرهاب. ولأن الأجهزة الأمنية ساورها هذا القلق، أي الخوف من المحاسبة القانونية، طالبت المسؤولين الحكوميين بإصدار قانون يوفّر لها الحماية القانونية، إلا أن هذا الطلب لم يتحقق. فعمد المسؤولون الأمنيون إلى تسجيل اعتراضاتهم وتحفظاتهم في بياناتهم بشأن سير ومصير مفاوضات السلام سعياً للحيلولة دون محاسبة قانونية محتملة.
من المتوقع أن يكون محافظو المدن هم من يواجهون أكبر المشاكل في هذا الشأن باعتبارِ أنهم المسؤولون بالدرجة الأولى، ثم يليهم في المرتبة الثانية المسؤولون في المخابرات التركية والموظفون الذين تولوا دوراً بارزاً في مفاوضات السلام. ومن الممكن أن تمتدّ هذه السلسلة حتى إلى القيادة السياسية أو الحزب الحاكم. مع ذلك فإنه من الممكن القول بأن الاعترافات الصادقة للمسؤولين وأداءهم الإيجابي بعد اليوم في هذا الموضوع قد تشكّل مخرجاً لهم.