من إيزابيل كولز
اربيل (العراق) 2 أكتوبر تشرين الأول (رويترز) – يقول مسؤولون
ومواطنون إن قرار الحكومة العراقية التضييق ماليا على تنظيم الدولة
الإسلامية من خلال وقف كل الأجور والمعاشات في المدن الخاضعة
لسيطرة التنظيم أغرق الناس في أزمات قد تمكن المتشددين من تعزيز
قبضتهم.
وخلال العام الذي سيطر فيه مقاتلو الدولة الإسلامية على ثلث
أراضي العراق ظلت بغداد تدفع رواتب ومعاشات موظفي الدولة داخل
المناطق التي هيمن عليها التنظيم.
لكن كل تلك المدفوعات توقفت منذ يوليو تموز مما قطع دخل جميع
أرباب المعاشات والموظفين والأطباء والمعلمين والممرضين والشرطة
والعاملين بالشركات المملوكة للدولة ومما قطع ما قد يكون آخر صلة
رسمية تربطهم ببغداد.
تهدف الخطوة إلى حرمان متشددي الدولة الإسلامية من شريان دخل
كانوا ينهلون منه لتمويل بناء دولة خلافة في العراق وسوريا.
لكن مسؤولين ومواطنين بالمناطق الخاضعة لسيطرة المتشددين
يقولون إن هذا جعل السكان أكثر إحباطا وابتعادا عن حكومة يشعر
كثيرون أنها تخلت عنهم.
قال يونس خلف وهو جندي متقاعد من شرطة الحدود في الموصل كان
يعتمد على معاشه في إعالة سبعة أفراد “الحكومة قطعت آخر صلة لها
بنا… لم يكن الحال أشد بؤسا مما نحن عليه الآن.”
وتعول الدولة الإسلامية على عدة وسائل لتمويل أنشطتها منها سلب
ملايين الدولارات من البنوك ومنها بيع نفط من الحقول التي استولت
عليها وخطف أفراد لتحصيل فدية وابتزاز أبناء المناطق التي سيطروا
عليها أو تحصيل “الجزية” منهم.
ووصفت مجموعة العمل المالي -وهي هيئة مقرها باريس تعمل بين عدة
حكومات وتشرف على الجهود العالمية للتصدي لغسيل الأموال وتمويل
الإرهاب- مدفوعات الرواتب العراقية بأنها “مصدر متجدد للدخل”
بالنسبة للتنظيم ربما يدر عليه مئات الملايين من الدولارات سنويا.
ويقر مسؤولو الحكومة بأن قطع الرواتب مؤلم للأفراد لكنه كان
لازما لوقف تمويل خلافة الدولة الإسلامية فعليا.
قال علي الفريجي المستشار باللجنة الاقتصادية لمجلس الوزراء
“نحن نقاتل داعش (الدولة الإسلامية) وإيقاف دفع الرواتب هو جزء من
الحرب ضد داعش.” وأضاف “للأسف في كل حرب يوجد هناك أضرار جانبية.”
* “كارثة إنسانية”
تقول الحكومة إنها ستستأنف دفع رواتب العاملين بالدولة بمجرد
“تحرير” مناطقهم وإن من تمكن منهم من الفرار من المناطق الواقعة
تحت سيطرة الدولة الإسلامية يمكنه المطالبة براتبه أو معاشه.
لكن الدولة الإسلامية تضع قيودا صارمة على الحركة تحول دون
مغادرة الناس للمناطق الواقعة تحت سيطرتها وإن كانت هناك دلائل على
فرار المزيد من المواطنين من هذه المناطق منذ وقف المدفوعات.
قال حسن علاف نائب محافظ نينوى إن “كارثة إنسانية” يمكن أن تقع
إذا لم يستأنف ضخ المدفوعات. وتخضع معظم أنحاء محافظته لسيطرة
الدولة الإسلامية ويعمل مجلس المحافظة الآن من منطقة كردستان
العراق المجاورة.
ويقول الفريجي إن ما يصل إلى 400 ألف شخص مدرجون على قوائم
المدفوعات الحكومية في المناطق الخاضعة للدولة الإسلامية.
وكل راتب أو معاش ربما يعول أسرا بأكملها. والأثر يمتد لنطاق
أوسع يندرج فيه من يعتمدون في أرزاقهم على الزبائن الذين يدفعون
نقدا.
في مدينة الموصل التي كانت تؤوي ما يقرب من مليوني نسمة قبل أن
تدخلها الدولة الإسلامية في يوليو تموز الماضي قال بائع ملبوسات في
سوق السرجخانة إن عمله تقلص بنسبة 70 في المئة تقريبا منذ إيقاف
الرواتب.
وتحدث سكان بالموصل ومناطق أخرى تسيطر عليها الدولة الإسلامية
عن قيام الناس بتوفير المال والإنفاق على الضروريات اللازمة وحسب.
ويبيع البعض أشياءهم الثمينة رغم انخفاض أسعار الكماليات.
وقال أحمد فتحي الذي يدير متجرا صغيرا في سوق باب الطوب
بالموصل إن معظم زبائنه هذه الأيام من المتشددين.
* “هذه المهزلة يجب أن تنتهي”
لم تطرح بغداد استراتيجية عسكرية فعالة لهزيمة المتشددين الذين
اندمجوا داخل الأقلية السنية بالعراق وصمدوا مع الضربات الجوية
التي تقودها الولايات المتحدة منذ عام.
ولم تنجح أيضا محاولات سابقة لوقف تمويل التنظيم. وعندما حاولت
بغداد إيصال المدفوعات من خلال مدينة ثالثة تكلف فيها شخصا بتحويل
الأموال عبر شركات خاصة في الموصل أصبح مآل هذه الشركات في يد
المتشددين.
ولم تستفد الدولة الإسلامية من النهل مباشرة من المبالغ
النقدية وحسب بل واستفادت بطريق غير مباشر أيضا. فالمدفوعات
الشهرية كانت تعني أن بوسع السكان شراء الوقود واسطوانات الغاز
التي يحصل المتشددون رسوما عليها وكذلك دفع ثمن الخدمات التي
يقدمها التنظيم مثل تنظيف الشوارع وتوفير مياه الشرب.
وقال الفريجي “بطريقة أو بأخرى هي تنتهي لتصل في جيوب داعش.
هذه المهزلة يجب أن تنتهي.”
ويقول سكان ومسؤولون محليون إنهم لم يلمسوا إلى الآن أي علامات
تدل على أن قطع الرواتب فت في عضد الدولة الإسلامية. وكان التنظيم
قد خفض رواتب مقاتليه بنسبة 30 في المئة في ذات الوقت الذي قطعت
فيه الحكومة الرواتب تقريبا لكن لم يتضح ما إن كانت هناك صلة بين
الأمرين.
قال أيمن جواد التميمي الزميل بمنتدى الشرق الأوسط وهو معهد
أبحاث مقره الولايات المتحدة إن إيقاف الرواتب سيضر بالدولة
الإسلامية ماليا لكنه لن يمثل ضربة قاصمة نظرا لتنوع مصادر دخل
التنظيم.
وقال “المشكلة تكمن في أن هذا ليس هو السبيل الوحيد الذي يتدفق
منه المال على داعش.”
وتابع “إيقاف دخل داعش يتطلب تفكيك هيكلها الشبيه بهيكل الدولة
وهو ما لن يحدث في أراضيها في أي وقت قريب.”
في الوقت ذاته يقول بعض السكان إن قطع الرواتب قد يصب في صالح
المتشددين إذ سيعزز رسائل الدولة الإسلامية الدعائية بأنها تدافع
عن السنة في وجه دولة شيعية طائفية تهملهم.
وكلما قلت موارد السكان كلما اعتمدوا على المتشددين الذين لا
يزالون يملكون المال.
قال الشرطي المتقاعد خلف “أعتقد أن داعش ستستفيد من هذا القرار
لأنها ستجتذب مزيدا من المتطوعين ممن سيلجأون لها للحصول على راتب
يعيلون به أسرهم.
“لديهم المال الوفير ويعيشون في رغد.”
(شارك في التغطية أحمد رشيد – إعداد أمل أبو السعود للنشرة
العربية – تحرير محمد هميمي)