بقلم: علي يورتاجول
كان صديق فرنسي سألني: هل يمكن استمرار الاشتباكات بين قوات الأمن والعناصر الإرهابية في العيد أيضًا؟
ولا أدري ما إذا كان يشير بهذا السؤال إلى أهمية العيد أو كان يسعى إلى فهم القضية الكردية. فقلتُ: “لا أظن، فهم سيحترمون العيد”، وربما عبَّرتُ بذلك عن عواطفي وتمنياتي. لكنني أخطأت؛ فإن الاشتباكات لاتزال مستمرة، وقلوب الأمهات تتفطر لفقد أبنائهن، وتواصل نيران الأحزان حرق أفئدة كثير من العائلات. فلماذا؟ لا يمكن فهم وإدراك ذلك. أفلم تكن مسيرة السلام مستمرة قبل عدة أشهر؟ أولم يتوقف إطلاق النار؟ فما الذي حدث حتى أصبح أبناؤنا يموتون من جديد؟ مع أننا كنا نحن والأكراد معاً مؤمنين بمسيرة السلام. وكنتُ قد سألت النائبة الكردية ليلى زانا عن جدية مسيرة السلام لأطلع على رأي سياسيةٍ تجسّ نبض شؤون البلد جيداً وذلك في لقائي بها إثر أزمة كوباني شمال سوريا. فقالت: “إنهم جادون في مسيرة السلام يا علي، وأنا متفائلة. فالدولة تريد حل المشكلة الكردية”، ومن ثم ذكرت لي أسماء كبار المسؤولين، مشيرة بالأمثلة إلى مواقفهم الإيجابية في ذلك. وأضافت بعد ذلك بقولها: “أصبحت الدولة مقتنعة بأن هذه المشكلة لا يمكن أن تُحلَّ بالسلاح، لذا فإنها تدعم مسيرة السلام”. وبناء على هذا الكلام غادرتُ أنقرة متفائلاً مسروراً.
وكنا قد استمعنا في تلك الأيام لخطابات الرئيس رجب طيب أردوغان التي دافع فيها بشدة عن مسيرة السلام وعبّر عن تمسكه بها وعزمه على استكمالها. حيث قال في خطابه الذي ألقاه في مدينة شانلي أورفا جنوب شرق البلاد: “انظروا كيف عرقلوا أولاً اتفاقية وعملية أوسلو، في الوقت الذي ناضلنا فيه مخلصين لنُحلّ هذه المشكلة ونَحُول دون ذرف دموع الأمهات. ثم أرادوا اعتقال رئيس جهاز المخابرات التركية وإقصائه عن الساحة. وبعد ذلك نفذوا بعض الاغتيالات في باريس. إذ أرادوا القضاء على مسيرة السلام. وأخيرا هاجموا عملية السلام بمحاولتين انقلابيتين في 17 و25 ديسمبر/ 2013. ثم التقينا في لقاء تاريخي بمدينة ديار بكر في تاريخ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني. حيث حضر اللقاء السيد مسعود بارزاني من العراق، والمطرب الشهير إبراهيم طاطليسس من شانلي أورفا، كما حضر شيفان برفر الذي غادر بلده ووطنه منذ 38 سنة. حيث شهدت ديار بكر هذا اللقاء والمشهد الرائعين. ولم تتأثر ديار بكر وحدها بهذا المشهد بل تركيا كلها تأثرت به. حيث وردتني اتصالات هاتفية عديدة، وانهمرت من أجل ذلك دموع الفرح. وكبر الأمل بربيع السلام الدائم في تركيا. ولكن ما الذي فعلوه؟ فقد أثاروا فجأة قضية مراكز دروس التقوية وأرادوا إلقاء الظلّ على ذلك اللقاء العظيم وتهميشه. وبدؤوا بمحاولة انقلابية في 17 ديسمبر/كانون الأول. فحاولوا القضاء على مسيرة السلام كليًّا. فمن الذي فعل ذلك؟ إنه السيد القابع في بنسلفانيا والأدوات التي يحركها والموالون له هنا. وطبعا فإن هؤلاء منظَّمون في جهازي القضاء والأمن ومؤسسات الدولة الأخرى. فقد استاء هؤلاء من أجواء السلام في شرق وجنوب شرق البلاد كما في شانلي أورفا وديار بكر. وانزعجوا من عدم تعرض الشباب للقتل؛ ومن التغيير والتطور والتنمية والأخوّة التي شهدتها المنطقة؛ ومن التآخي الذي جمع بين طرابزون وشانلي أورفا، ووان وإزمير؛ ومن توحد وتضامن سكان تركيا البالغ عددهم 77 مليون نسمة”.
وكرر الرئيس أردوغان هذه المزاعم في مدينة ليون الفرنسية أيضاً محاولاً توسيع دائرة ما يسميه الكيان الموازي إذ قال: “لقد بدأنا بمسيرة السلام لحل مسألة الإرهاب، وإيقاف الدموع. وكدنا نوقف العمليات الإرهابية. ولكن هناك مَن استاء مِن ذلك. حيث انزعجت عصابات الإرهاب والسلاح والدم وخصوصا عصابات الفوائد من ذلك كثيرا”. وبذلك كرر التهم التي ذكرها في شانلي أورفا.
حسناً فمن الذي بدأ يكيد ويتآمر عليكم اليوم إن كنتم صادقين؟ من الذي عرقل عملية السلام وأطاح بطاولة المفاوضات مع العمال الكردستاني؟ ومن هو المسؤول عن انبعاث وعودة الإرهاب من قبره مرة أخرى ومقتل الشباب ودموع الأمهات الثكالى؟ ومن هو الذي قلب الطاولة؟ ومن الذي حقاً أنهى مفاوضات السلام بقوله: “لا توجد مشكلة كردية”؟ أي كيان موازٍ هنا؟
لم يكن هناك أحد يناهض أو يعارض مسيرة السلام. فزعيم المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو قال في أثناء زيارته لبروكسل الأسبوع الماضي: “لقد عرضتُ على رئيس وزراء تلك الفترة (أردوغان) اقتراحاتنا حول تسوية هذه المشكلة. وقلنا يجب أن تُحل المشكلة ضمن الديمقراطية والحريات وتحت سقف البرلمان. غير أنهم لم يأبهوا باقتراحاتنا. وقلنا إذن هاتوا مقترحاتكم لندعمها. ولكنهم لم يأتوا بأي اقتراح. ونحن لا نعلم ما يدور من المحادثات في هذا الصدد بين الطرفين”.
لا نعلم من الذي سيكون كبش الفداء هذه المرة. ولكن ليست هنالك سياسةٌ أو سياسي في الساحة اليوم يحتضن تركيا كلها بحكومتها ومعارضتها وأتراكها وأكرادها ولازها وعربها وسنيِّيها وعلوييها. وربما لم يكن هناك زعيم بهذه الأوصاف قط، لكن البعض استغلوا آمالنا ولعبوا بها؛ لأننا كنا سُذَّجاً فصدَّقنا الأقوال المجردة في السلام.