بقلم علي بولاج
يبدو أن أمريكا وروسيا متفقتان على “مرحلة انتقالية بوجود الأسد” في سوريا.
وهذا يعني أن الأسد لن يكون له مكان في التكوين الجديد لسوريا على المدى البعيد. إذ ليس من المتوقَّع أن يحكم الأسد سوريا بكاملها بعد إراقة كل هذه الدماء، لكن يمكن أن يكون زعيم جزء يُقتطع للنصيريين. فـ”قضية الأسد” سقطت من الحسابات.
حسنا، لكن ما الذي يجري؟
لقد تحدث مدير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية الجنرال فنسنت ستيوارت “Vincent R. Stewart”بوضوح عما يجري حيث قال: “سيقسَّم العراق وسوريا تقسيماً دائماً بسبب الحروب المذهبية”.فيما أفاد رئيس المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) جون برينان: “سيشهد الشرق الأوسط تغييرات جذرية خلال السنوات العشر القادمة”.
ويرى برينان أن الحدود بين العراق وسوريا تظلّ على حالها على الورق، لكن تنظيم داعش هو من يسيطر عليها فعلاً. حتى إن الشعبين في هذين البلدين يعتبران نفسيهما تابعين للقبيلة أو المذهب وليس للدولة. ولذلك فإن خرائط الشرق الأوسط ستتغير تماماً بدءًا من سوريا خلال 10إلى 20 سنة.
أسفر لقاء أوباما وبوتين هذا الأسبوع عن اتفاق على “سوريا العلمانية الموحدة”. فهذه الأخبار تشير إلى أن سوريا أدرجت تماماً ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير. لذلك فإن “وحدة” سوريا تعني انقسامها، و”علمانيتها” تعني ألا يكون داعش والنصرة والإخوان وغيرها من المجموعات الإسلامية صاحب كلمة أو قرار في الشكل الجديد للخريطة السورية.
إن مشروع الشرق الأوسط المشؤوم الذي أخذت تركيا على عاتقها مهمة الرئاسة المشاركة فيه، كما صرّح بذلك الرئيس رجب طيب أردوغان علناً في وقت سابق، يستند إلى أكثر من مرتكز، منها: تغيير الخرائط الجغرافية والسياسية، وقضية التعليم ومؤسسات المجتمع المدني، وحقوق المرأة، وعلمنة الدين…وما إلى ذلك. أما الخرائط فهي:
أ- تقسيم سوريا والعراق إلى 3 أجزاء في البداية.
ب- إعادة تصميم كل من الدول الأربع العراق، سوريا، تركيا وإيران على أساس تأسيس “كردستان” على أراضي تلك الدول في فترات زمنية محددة.
لم يكن العراق لقمة صعبة، فصدام الأحمق الذي أظهر العنتريات في شوارع الشرق الأوسط قد أنهك العراق بوقوعه في مصيدة الحربين الإيرانية والكويتية. إلا أن سوريا كانت كنواجذ المنطقة. فسوريا تعني إيران وحزب الله وحماس والشارع العربي الذي انتُهكت كرامته في حروب 1948، و1956، و1967. وكانت إسرائيل قد تعرضت لأكبر هزيمة عام 2006 على يد حزب الله المدعوم من إيران وسوريا.
وكانت حماس تنفذ حملات غير مسبوقة. ولم تكن إسرائيل لتسمح بذلك. وبعد سنة من ذلك كان سيقول زعيم حزب الرفاه المعروف بجذوره الإسلامية نجم الدين أربكان– رحمه الله –: “ستنتقم إسرائيل للهزيمة التي مُنيت بها على يد حزب الله، وسيتحقق ذلك بتدمير سوريا، وستكون تركيا أداة لتنفيذ هذه الخطة”. وهذا هو ما حدث اليوم.
ولاشك في أن القوى العالمية التي استفزّت صدام حسين ليحارب إيران قائلةً له:”ستصبح بطل العالم إذا أسقطتَ ديكتاتورية الملالي”، ومن ثم حثّته ودفعته إلى احتلال الكويت هي نفسها قادت ودفعت تركيا إلى الاضطلاع بدورٍ في الشأن السوري أيضاً على المنوال نفسه. فإذا أصبحت تركيا بين ليلة وضحاها “حامية المسلمين” جميعاً. مع أنها هي تركيا نفسها التي أعدت مذكرة لاستقبال 65 ألف جندي أمريكي على أراضيها، وتغاضت عن مقتل مئات الآلاف من العراقيين بالغارات التي شنتها الطائرات الأمريكية التي حلقت من الأراضي التركية. طبعاً الأسد دموي الطبع كأبيه، فلم يتوانَ عن قتل المتظاهرين المدنيين. وعلى الرغم من أنه كان بالإمكان إيقاف الأسد بعد قتله لألف شخص مثلاً، لكن أُفسح له المجال ليقتل 300 ألف شخص آخرين، فهل هذا أمر يتقبله الضمير والعقل؟
لقد أصبح كل ذلك من الماضي بعد اليوم! والموضوع الأساسي هو ترجمة مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى أرض الواقع خطوةً بعد أخرى. وحتى روسيا تسعى للحصول على حصة لها من أجل تعزيز موقعها في المنطقة. أي إن أبناء آوى والضباع تقاسمت فيما بينها دولتين جميلتين للمسلمين هما العراق وسوريا. أما داعش والاتحاد الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني وتركيا فلا تفعل شيئاً سوى البحث عن تكتيكات مؤقتة مناسبة لها وتنفيذها في إطار الاستراتيجيات العامة التي ترسمها القوى الكبرى.
مشروع الشرق الأوسط الجديد سيقسم كذلك كلاً من تركيا وإيران والسعودية. وجاء الدور في الوقت المحدد بحسب المشروع لتصفية كل المجموعات الإسلامية، معتدلة كانت أو راديكالية، من المؤسسات الحكومية.
والنتيجة هي:
أ- سيطرة القوى العالمية بشكل كامل على ثروات المنطقة بما فيها النفط والغاز.
ب- لن تكون في هذه المنطقة قوة أكبر وأكثر فاعلية من إسرائيل.
ت- لن يُسمح بإجراء الإصلاحات التي تتطلبها الديناميكيات والموارد الذاتية للمنطقة.
ث- اقتصار الدين الإسلامي على النواحي الهامشية والخاصة والنسبية من خلال جعله كالمذهب البروتستانتي في المسيحية.
طبعا إذا كانت لديهم حسابات خاصة، فالله تعالى أيضا له حساباته. ولكن ما نزل بنا من مصائب هو بسبب حماقاتنا نحن. فالله سبحانه وتعالى يبتلينا بمثل هذه المصائب ليربّينا من خلالها بموجب تجلياته الجلالية.