بقلم: محمد كاميش
بادر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي دأب على رفض تحمّل أية مسؤولية عن المشاكل والسياسات الخاطئة في البلاد رغم أنه هو مَنْ يتربع على قمة السلطة منذ 13 عاماً إلى إلقاء كل الذنب والجريمة بشأن “عملية السلام” مع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية على كاهل موظفي الدولة.
فقد قال أردوغان في خطاب ألقاه أول من أمس في قصره على عمد القرى والأحياء: “نرى أن تحليل الأحداث والتطورات بشكل ناقص أو خاطئ من قبل بعض موظفي الدولة في المنطقة قد أدى إلى الضعف في هذا الصدد”.
إنه يفعل الشيء ذاته في كل أمر يسير على غير ما يرام؛ فهو إما يحاول أن يتهرب من المسؤولية من خلال الزعم بـ”إنهم خدعونا” أو يلصق كل الجريمة بالموظّفين الذين يصدر لهم أوامر شفهية.
لذلك يبدو أننا سنركّز بعد اليوم على الحديث عمَنْ هم الموظّفون الذين ألقاهم أردوغان في “النار” وحمّلهم فاتورة أخطاء عملية السلام. وبحسب رأيي فإن مستشار وزارة الداخلية والمحافظين في مناطق شرق وجنوب شرق تركيا يأتون في مقدمة هذه الأسماء. كما أن العسكريين وعناصر المخابرات التركية سيكونون محور حديث الرأي العام في الأيام القادمة أيضاً. ذلك لأن جميع أفراد الشعب التركي سيحاسبون هؤلاء، كلاً على حدة، على ما فرّطوا في اتخاذ التدابير اللازمة، فتسببوا في الضعف والتهاون والتقاعس في مكافحة الإرهاب، وسيسألونهم قائلين: “لماذا التزمتم الصمت أمام كسب العمال الكردستاني المزيد من القوة في المنطقة؟” إذ إن أكبر اللوم والمسؤولية في عودة الأحداث الإرهابية عقب الاتنخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 7 يونيو/ حزيران الماضي يقع بلا شكّ على عاتق هؤلاء الموظفين الذين يتحدث عنهم الرئيس أردوغان.أجل، سيناقش الرأي العام في الفترة المقبلة لماذا اكتفى جهاز المخابرات التركية بدور المتفرج دون أن يجمع معلومات استخباراتية بينما كانت المنظمة الإرهابية تزرع الألغام والقنابل في طرقات منطقة شرق وجنوب شرق البلاد؟ ولماذا تجنّب تزويدَ الجهات المعنية بهذه المعلومات إن جمع فعلاً؟ وما هي أسباب عدم مبادرة هذه الجهات إلى اتخاذ أي تدبير في هذا المضمار إن أخطرها حقيقة؟ وهذا لسبب بسيط؛ لأن تركيا شهدت “فترة إمدادِ وتغذيةِ حزب العمال الكردستاني” تحت مسمى “عملية السلام”. وسبب سقوط هذا الكمّ الهائل من أبناء هذا الوطن شهداء هو شتى أنواع الضعف الذي ظهر في تلك الفترة. ونفهم مِنْ استشهاد أفراد قواتنا الأمنية والعسكرية كل يوم أن المنظمة الإرهابية قد خبأت في تلك الفترة الألغام والقنابل تحت أراضي كل الطرقات البرية تقريباً في المنطقة.
إذا نظرنا إلى مضمون خطاب أردوغان للعمد، فإنه يبدو أنه لن يقبل أية مسؤولية في الأخطاء المرتكبة في تلك الحقبة. لكن كل مواطن تركي يدفع ضرائبه للدولة، ويرسل أبناءه إلى الخدمة العسكرية، ويستخدم حقّ التصويت في الانتخابات، يريد أن يجد المسؤولين عن هذه الأخطاء ليحاسبهم عليها.
فقد أعلن الرجل الذي أطلق وأدار عملية السلام هذه، والذي تزعَّم حزب العدالة والتنمية آنذاك، وكان رئيس الحكومة في تلك الفترة، رجب طيب أردوغان، موظفي الدولة باعتبارهم مجرمين مرتكبين لهذه الأخطاء. وأظنّ أن المواطنين الذين سقط أبناؤهم أو أزواجهم أو أقاربهم شهداء في الأحداث الإرهابية الأخيرة سيبدؤون محاسبة هؤلاء الموظفين في المحاكم.
وليس هذا الموقف لرئيس حكومة تلك الفترة أردوغان، الذي يلقي بالموظفين في النار، هو الأول من نوعه؛ بل يمكن سرد مئات الأمثلة على ذلك. فلا بد أنكم ستتذكرون أنه كان أعلن قائلاً “أنا المحقّق في قضية تنظيم أرجينيكون”، المعروف بأنه الدولة العميقة في تركيا، ومن ثم خصّص سيارات الحكومة الرسمية للمدعين العموم المشرفين على هذه القضية، وأعلن دعمه السياسي لهم دائماً. لكن بعد أن حقّق مكاسبه السياسية عبر موقفه من مثل هذه القضايا الانقلابية، رأينا جميعاً ما حدث لهؤلاء المدعين العموم من نفي وعزل وزجّ في السجون بعد فضائح الفساد والرشوة المعروفة.
ولذلك يجب أن يكون ما قاله أردوغان أول من أمس درساً وعبرة للموظفين العاملين لدى الدولة؛ حيث إن هذه التصريحات تثبت بصورة جلية أن تنفيذ الأوامر الشفهية، وكلَّ أمر لا يوافق عليه القانون، من الممكن أن يكون سبباً لإدانةِ وسجنِ مَنْ نفذها في يوم من الأيام.
يا أيها الذين يُقْدِمون اليوم على تصرفات تعسفية وإجراءات غير قانونية؛ والذين يداهمون رياض الأطفال بالبنادق ذات المواسير الطويلة، ويمزقون كسوة المقاعد الموجودة في المدارس بحجة تفتيشها؛ والذين يعتقلون الصحفيين والمحامين استناداً إلى مبررات ملفقة؛ والذين يفرضون “عقوبات قاتلة” على رجال الأعمال من خلال غرامات ضريبية؛ والذين يصنفون جميع المواطنين، كلا على حدة، وفق معتقداتهم الدينية والسياسية، ويقودون حملات “مطاردة الساحرات” ضدهم رغم أنهما من الجرائم المنصوص عليها في الدستور، بناءً على تعليمات وأوامر شفوية صادرة عن المسؤولين السياسيين… أوجّه كلامي لكم جميعاً وأقول: إن الذين أصدروا لكم هذه الأوامر سيتركونكم في أول فرصة وجهاً لوجه مع القوانين. وإن كنتم لا تصدّقونني فاستمعوا مجدداً لتصريحات أردوغان أول من أمس!