مصطفى أونال
هاجم إرهابيون أمس سيارة شرطة أثناء مرورها في أضنة (جنوب تركيا) ما أسفر عن استشهاد شرطيين.
كيف نزل الإرهاب من الجبال إلى المدن؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟.. قبل يوم من الحادثة قال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو: “لقد قطعنا الروابط بين معاقل الإرهاب في الجبال والمدن”. ولكن حادثة أضنة أثبتت بطلان كلامه. مع أنه قال منذ أيام قليلة: “إننا قصمنا ظهر حزب العمال الكردستاني الإرهابي”.
فهل المنظمة التي قصم ظهرها يمكن لها أن تنفذ مثل هذه العملية بكل هذه السهولة؟ إذ تمكن التنظيم من قتل الرائد يافوز جوزيل قائد إحدى الكتائب في مدينة تونجيلي، والشرطيين في أضنة. وللأسف يبدو أن الأخبار المؤسفة لن تتوقف. والكل مقتنع بأن العمال الكردستاني قد زاد من نفوذه في أثناء مسيرة السلام. فالمنظمة الإرهابية استغلت مسيرة السلام بطريقة بارعة.
حتى إن الرئيس أردوغان نفسه قال: “إن المنظمة خزنت الأسلحة”. وبالتالي زادت من قوتها، وأتمت ما كان ينقصها، وانتشرت في المدن، كما ازداد عدد مقاتليها في الجبال، ونصبت الكمائن على الطرقات. وقد امتلأت المنطقة بالقنابل النائمة. حيث حصلت المنظمة على حرية كبيرة أثناء مسيرة السلام، وازداد نفوذها، وحجمها، وتوسعها بشكل علني لا سري.
وكانت أنقرة، بل حكومة العدالة والتنمية قد أمرت الموظفين في المنطقة بعدم المساس بالإرهابيين. وطالبت المحافظين بالتغاضي عن أنشطة العمال الكردستاني. ورفض المحافظون طلبات بعض الوحدات الأمنية بالتدخل، وأمرتها بالبقاء في الثكنات. حيث نشرت إحدى الصحف في مانشيتاتها خبرا مفاده أن القوات المسلحة طلبت إذنا لتنفيذ 290 عملية في 3 محافظات خلال العام الماضي لكنها لم تحصل على الموافقة إلا على 8 عمليات فقط. ولم يُكذَّب هذا الخبر. فلا شك في صحته. ومن جانبه ذكر النائب من حزب الحركة القومية أوكتاي فورال أرقاما أكبر من ذلك. ولم يردَّ العدالة والتنمية على هذه الادعاءات بأي رد.
فمن الذي لم يسمح للقوات العسكرية بالتدخل؟ فالمحافظ هو أعلى مرجعية تمثل الحكومة في المدن. فمن هو المسؤول عن هذا الوضع؟ أعلم أن هذا السؤال يقضّ مضاجع المسؤولين في حزب العدالة والتنمية. لكنها أسئلة بدأت تُطرح حديثا. ولن تبقى مجرد أسئلة فحسب. بل سيتمخض عنها استفسارات حول الذين تغاضوا عن توسيع نفوذ العمال الكردستاني، ولماذا تم التغاضي عنه؟ ولماذا تم السكوت على إنزال العلم التركي من السارية في إحدى المدن؟ ولماذا اعتُبر بناء تمثال لأحد زعماء المنظمة الإرهابية أمرا عاديا؟ ولماذا تم التغاضي عن قطع الطرق، وحرق المدارس، والجرائم الدموية؟
هل الموظفون أو المحافظون في المدن هم المسؤولون عن ذلك كله؟ وهل بإمكان المحافظ اتخاذ قرار بمفرده؟ وهل يمكن لمدير الأمن أو قائد الدرك أن يتصرف دون علم أنقرة؟ وكان أردوغان قد أدلى بتصريح غريب في اجتماعه مع العمد في القصر يوم أمس، وقد كُتب هذا المقال من أجل تلك الجملة التي لا بد أن تدخل التاريخ. حيث قال أردوغان في حديثه عن استغلال المنظمة الإرهابية لمسيرة السلام: “نحن نرى أن تحليل الأحداث والتطورات بشكل ناقص أو خاطئ من قبل بعض موظفي الدولة في المنطقة قد أدى إلى هذا الضعف”. وهذا يعني أن بعض المحافظين ومدراء الأمن في المدن قد حللوا أنشطة العمال الكردستاني بشكل ناقص أو خاطئ. وهذا فقط ما أدى إلى زيادة قوة ونفوذ المنظمة الإرهابية في المنطقة وضعف الدولة اليوم في مواجهة العمليات الإرهابية.
طبعا لاشك في وجود الضعف، ولا ريب في أن العمال الكردستاني قد استغل هذا الضعف ببراعة. ولكن هل الموظفون والمحافظون وحدهم هم المتسببون في ذلك؟ فأين هي الإرادة السياسية التي تصدر لهم الأوامر؟ فمسؤولو الدولة العاملون في تلك المنطقة تم اختيارهم بعناية من قبل حكومة العدالة والتنمية التي كان أفكان آلاء (وزير الداخلية السابق) من أبرز قيادييها آنذاك. أفلم يكونوا يتلقون الأوامر من أنقرة دوما؟
نعم، فثمة جرم لا يمكن نكرانه. وإذا أردنا التعبير عنه بلغة يفهمها العدالة والتنمية يمكننا القول إنه تم ارتكاب ذنب عظيم. وبات القصر وحكومة العدالة والتنمية يتقبلان هذه الحقيقة. ولكن النقاش يدور حول من هو الذي يتحمل المسؤولية؟ ومن هو الذي سيدفع الثمن؟ ومن الذي سيُعاقب؟ مع العلم بأن أردوغان قال في وقت سابق: “نحن من أصدرنا التعليمات للمحافظين”. ولكنه الآن يلقي باللائمة على المحافظين أنفسهم، فيقول: “إن الضعف ناجم عن بعض الموظفين والمسؤولين”. حتى إنه ربط تخزين العمال الكردستاني الأسلحة وانتشاره في المدن بمسؤولي الدولة.
هو يعرف كيف ينسلّ من المشكلة بفضل المرونة السياسية. وبالتالي يتحمل موظفو الدولة كامل المسؤولية.