محمد كاميش
لايوجد سوى تفسير واحد لمؤتمر العدالة والتنمية الذي عُقد في 12 سبتمبر/ أيلول الجاري وهو أن الحزب لم ينتهز فرصته الأخيرة وقرر السير قدما في الطريق الخطاطئ.
وحين لم يحقق مسؤولو العدالة والتنمية النتائج المرجوة من انتخابات 7 يونيو/حزيران، قالوا إنهم تعلموا درسا من أخطائهم وسيتعلمون المزيد. إلا أننا نجد أنهم لم يتعلموا أي درس حتى الآن. وقال أعضاء العدالة والتنمية في المؤتمر إنهم لا يعدون إلا بالالتفاف حول الزعيم. علما بأن العدالة والتنمية في السابق كان يخوض الانتخابات عبر وعوده بالديمقراطية، والحقوق، والعدالة، والحداثة، والتنمية، وما إلى ذلك.. لكنه الآن لا يعد إلا بالالتفاف حول الزعيم.
في حين أن الزعيم يستعد للمشاركة في الحملات الانتخابية وتنظيم التظاهرات الجماهيرية لدعوة الجماهير للتصويت لحزبه، على الرغم من أنه أدى اليمين الدستورية حين أقسم بكرامته وشرفه على عدم الانحياز. وإذا تساءلتم عن وعوده فإن هناك إجابة واحدة فقط: يعد بتركيا الجديدة التي يرتبط فيها القضاء والعدالة والاقتصاد والمناقصات والخزانة والأمان على الأرواح والأموال بزعيم واحد فقط.
ولذلك فالزعيم يظهر في الساحات وينظم الحملات الانتخابية، ويلقي الخطب في جنازات الشهداء الذين تزينت توابيتهم بالعلم التركي مطالبا الجماهير بالتصويت لحزبه. وتارة يظهر وفي يده مصحف، وتارة يزور بيت شهيد من موظفي الدولة ليقرأ آيات من القرآن، يُظهر للناخب مدى تدينه من خلال ذلك. علما بأنه فعل كل ذلك قبل انتخابات 7 يونيو/حزيران. وسنرى كلنا معا ما هي المظاهر الجديدة التي سيفعلها هذه المرة.
حتى أكثر شركات استطلاع الرأي موالاة للحكومة تقول إن العدالة والتنمية لن يتمكن من تشكيل الحكومة بمفرده. وقد أفادت بعض استطلاعات الرأي بأن استراتيجية إسقاط الشعوب الديمقراطي إلى ما دون العتبة الانتخابية ومحاولة اختطاف أصوات القوميين لم تجد نفعا. كما أن الأصوات التي تعتبر سياسات العدالة والتنمية هي المتسبب الأكبر في العمليات الإرهابية ترتفع يوما بعد يوم. ويبدو أن المساومات مع الأحزاب الصغيرة، وتوزيع الأموال هنا وهناك لن يجدي نفعا أيضا في تغيير النتيجة؛ أي إن العدالة والتنمية لن يحصل على أغلبية تمكنه من تغيير الدستور فضلا عن أنه لن يستطيع الانفراد بالسلطة كذلك.
حتى إن الخطط التي يدبرها قد تزيد من فشله. كما ينبغي التذكير بأن أبرز أعضاء العدالة والتنمية باتوا خارج الحزب الذي لم يبق فيه سوى الزعيم الأوحد.
ومن هنا يتبين لنا أن العدالة والتنمية يخسر أصواته يوما بعد آخر. وأنه سيلقى مصيرا أسوأ مما لقيه في انتخابات 7 يونيو. وهذا سيناريو الكابوس بالنسبة لأردوغان الذي يستغل صلاحيات حزب العدالة والتنمية بالإضافة إلى صلاحيات الحكومة عن طريق هذا الحزب. ولو عادت تركيا يوماً إلى طريقها ووضعها الطبيعي فستبدأ التحقيقات في عمليات الفساد في 17و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013،وفي ملفات جميع الجرائم المرتكبة منذ ذلك التاريخ حتى الآن. ويبدو أن ذاكرة الشعب لن تنسى ما حدث.
ولذلك فإن عودة تركيا إلى وضعها الطبيعي لن تتحقق في وقت قصير. والعدالة والتنمية والمؤسسات والأشخاص المعتمدين عليه متخوفون من دفع الثمن عن الجرائم التي ارتكبوها إذا لم ينفرد الحزب بالسلطة وحده. والطريقة الوحيدة لتخلصه من ذلك هو زيادة الفوضى. لذا فإنني أرى أن استطلاعات الرأي ستحدد ما إذا كانت ستجرى الانتخابات في 1 نوفمبر أم لا. وإذا استمرت أصوات العدالة والتنمية بالتراجع بعد أن فهم الشعب التركي معنى أن الاستقرار الموعود هو نظام حكم الفرد فإنني أخشى أن تزداد الفوضى التي تلغي العملية الانتخابية. وأرجو أن أكون مخطئا في ظني.