ممتاز أر توركونه
إن القناعة المشتركة بين موالي الحكومة ومعارضيها حول مؤتمر العدالة والتنمية هي أن أردوغان يسيطر على الحزب بشكل كامل.
ونحن أمام وضع لا يمكن وصفه بقولنا “سلطة الزعيم” أو “الثقل الشخصي” لأن هذا الوصف لا يفي بالغرض. فأردوغان بات يمتلك الحزب نظريا وعمليا، بما في ذلك كوادر الحزب، وناخبيه، ومبانيه، وأفكاره، وسياسته، وسلطته بالطبع. وكما قال الرئيس الأسبق سليمان ديميرل: “لا أسمح ببناء البيوت العشوائية في أرضي المسجلة باسمي” قاصدًا بذلك حزب الوطن الأم الذي أسسه تورجوت أوزال. وهكذا أصبحت العلاقة بين أردوغان وحزب العدالة والتنمية، كالعلاقة بين المالك وممتلكاته. ولم يعد لأي شخص في الحزب نصيب بما في ذلك رئيس الحزب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. وحتى الأشخاص الذين لهم مكانتهم الخاصة في الحزب كعبد الله جول، وبولنت أرينتش وعلي باباجان، لم يعد لهم وزن في الحزب، بحيث لن يعدَّ غيابهم خسارة. أما الأشخاص الجدد في الحزب فلن يُسمح بدخولهم من الباب إلا بعد التأكد من ولائهم لأردوغان.
فلنحاول أن نفهم السبب، والمكاسب التي ستنتج عن ذلك؛ بدلا عن الاعتراض والانتقاد. علما بأن السياسيين لا يختارون بين الجيد والسيئ، بل يختارون بين السيئ والأسوأ حسب القاعدة العامة. وإذا ما اعتبرنا أن تحوُّل حزب العدالة والتنمية إلى حزب لأردوغان، لم يكن اختياريا بل كان اضطراريا؛ فحينها سنجد أن مالك هذا الحزب منحصر في زاوية ضيقة. وإذا لم يواجه عقبةً أو رادعا، أو لم يوقفه أحدٌ عند حده، فإنه (أردوغان) سيستمر على هذا المنوال ليجعل من تركيا دولة استبدادية ديكتاتورية. لاحظوا أني لا أقول” فاشية”بل أفضل مصطلح “الاستبدادية”. لأن الفاشية فكرة شمولية. في حين أن أردوغان يرى حتى في الأيديولوجيات منافسا يحدُّ من قوَّته الشخصية، لذا فالديكتاتورية التي يعمل على تحقيقها ستكون نظاما استبداديا أي تعسفيًّا.
كما أن أستاذ العلوم السياسية المخضرم وزعيم حزب العدالة والتنمية داود أوغلو لم يعبر عن أدنى فكرة من أفكاره في مؤتمر الحزب الذي يترأسه، لذا يمكننا ربط ذلك بطبيعة الاستبداد.
لن تجدوا “هوية أيديولوجية” في المحاور السياسية التي رسمها يغيت بولوت أحد مستشاري أردوغان في المعلومات التي استقاها من التاريخ الاقتصادي للقرن التاسع عشر، ودعوات إبراهيم كارا جول رئيس تحرير جريدة يني شفق الموالية لأردوغان لـ”قمع المعارضين” التي اقتبسها من أدبيات” النضال الوطني” للضباط المولعين بالانقلاب العسكري، لعدم وجود نقطة مشتركة بين هاتين الأيديولوجيتين.
تفهم الدائرة المقربة بأردوغان أن الاستراتيجية هي خلق الأعداء بصفة مستمرة، هم يتعبون أنفسهم سدى، هناك طريق وحيد لأن يتابعوا: التصريحات التي تصدر من فم أردوغان.
فإن لم يكن بإمكانكم الاستفادة من قوة الدولة للقبض على اللصوص والمختلسين، والزج بهم في السجون بأمر من المدعي العام، أو تحويلهم إلى المحاكم للمثول أمام القاضي؛ فحينها يجب أن يزج المدعون العموم والقضاة بالسجون. أما إذا تركتم مسؤولية إدارة البلد لضمير صاحب النفوذ والقوة في ظل المفهوم “المبايعة الكاملة بالسلطة أو أنك تكون عدواً لها”فسوف يغيب القانون والعدالة. فمن هو القوي الذي يطأطئ رأسه أمام القانون بسبب الجرم الذي ارتكبه، ويستسلم دون أنا يقاوم ويستنفذ فرصه؟
وبالنتيجة سيبقى دون حيلة، ليحاكم بسيف العدالة القاطع. ولكن كلما طالت المرحلة كبرت الأضرار. ونحن لا يمكننا الوثوق بالأشخاص بل نثق بالقوانين. ولذلك فإن حزب العدالة والتنمية بعد أن رضخ ليصبح حزب أردوغان، سيصبح عبارة عن حزب جامد ليس له أي تأثير. غير أنكم إن ربطتم قدَر بلد ما بحرب شخصية لشخص واحد، فذلك يعني أنكم لن تخدموا سوى أعدائكم الذين يبحثون عن نقاط الضعف فيكم. فالباقي هو الله تعالى. فما الذي سيحدث في السياسة سواء كان أردوغان موجودا أو غير موجود؟
ففي ظل تحول المنطقة إلى دائرة من النار، وتصاعد النزاعات في جنوب شرق البلاد، وتزعزع الاقتصاد وكأنه فوق طبقة جليدية توشك على الانهيار؛ ترك أتباع العدالة والتنمية قدر هذا البلد العظيم، لعدالة وعقل شخص واحد لا ينشغل إلا بالسلطة، ثم أصبحوا هم أنفسهم خارج اللعبة.