علي أونال
كان الصواب حليف صلاح الدين دميرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عندما قال: “إن الحملة الدعائية و”البروباجاندا” التي قامت بها القوات الخاصة التابعة لأمن تركيا في بلدة جيزرة في تسعة أيام لم ينجح حزب العمال الكردستاني في فعلها على مدار 30 عاماً. ولو كنت أنا المدعي العام لرفعت دعوة قضائية على القوات الخاصة التي أهانت الشعب الكردي بنداءات عبر مكبرات الصوت في شوارع المدينة، لدعمهم تنظيم حزب العمال الكردستاني ومساندتهم”.
إن ما شهدته بلدة جيزرة مؤخرًا، ليس جديدًا أو أمرًا طارئًا. ففي ليل 18 أغسطس/ آب 1992، شهدت مدينة شيرناق مناوشات بالأسلحة النارية لمدة قصيرة؛ وبعد 48 ساعة كاملة من تبادل إطلاق النار، بدأت الرؤية تتضح أن المدينة باتت وكأنها مرت بزلزال مدمر. وفي بلدة “ليجا”، أسفر تبادل إطلاق النار خلال يومي 22-23 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، عن سقوط ما لا يقل عن 30 قتيلًا، فضلًا عن احتراق وتدمير 401 وحدة سكنية و242 محل عمل. كما شهدت بلدة داريك (Derik) التابعة لمدينة ماردين، وقرية هايبات (Heybet) التابعة لمدينة باطمان، وقرى كوم تشاتي (Kumçatı)، وصاباجا (Sapaca)، وجاوار (Gever)، وتشاغلايان (Çağlayan)، وحصار (Hisar) التابعين لمدينة شيرناق، وقرى شامدينلي (Şemdinli) وتونجالي (Tunceli) ومنطقة يوكساك أوفا (Yüksekova) التابعين لمدينة حكاري، وقرى قلعة ديبي (Kaledibi) الواقعة بين بلدتي غانتش (Genç) و قلعة (Kale)، وسلوان (Silvan)، وحذرو (Hazro) التابعة لمدينة ديار بكر إجراءات وأحداث مشابهة. وتعرضت تلك البلدات والقرى لتفجيرات وعمليات تخريبية من قبل قوات الأمن التركي. ولم تكن بلدة جيزرة غائبة عن المشهد؛ فقد أسفرت عمليات إطلاق النيران على المواطنين في 21 مارس/ آذار 1992، عن مقتل 57 من المدنيين. وفي تلك الأيام كان عبد الله أوجلان (الزعيم الكردي المعتقل في جزيرة أيمرالي مدى الحياة) يتكلم باللسان واللهجة التي يستخدمها صلاح الدين دميرتاش هذه الأيام: “لقد أرسلوا قواتهم الضاربة إلى بلدة جيزرة. وأرتدوا ملابس غريبة، ظنوا أنفسهم قادرين على تخويف وترهيب المواطنين. وقد أسفر استخدام الساسة الأتراك للقوة المفرطة دون حساب، وما صحبها من عمليات تعذيب واعتقالات تعسفية، عن انحياز المواطنين لحزب العمال الكردستاني. فطريق العنف صعب للغاية، ومليء بالأشواك، إلا أننا نقتطف الثمرة؛ ونطور أنفسنا بناءً على ذلك”. (الملف الكردي – رأفت باللي)
يتساءل بعض المعلقين والمحللين عن أسباب الهجمات التي يشنها الكردستاني؛ فالإجابة بالتأكيد في كلمات أوجلان السابقة. فكل إجراء أو خطوة خاطئة تتخذها قوات الأمن فيما يتعلق بالمدن الشرقية والجنوبية الشرقية يصب في مصلحة حزب العمال الكردستاني. فعليهم أن يضعوا في اعتبارهم تحجيم قدرات العناصر الإرهابية مع مراعاة تحقيق الأمن والأمان، أثناء عمليات مواجهة الإرهاب. ففقدان زمام الأمور في عمليات المداهمة والتدخل واستخدام القوة المفرطة، وعدم القدرة على التفريق بين المدنيين العزَّل والإرهابيين، فضلًا عن خوف المواطنين من تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي، يدفعهم للوقوف بجانبه في مواجهة الدولة وحماية أنفسهم. فالجريمة في القانون تقع على عاتق مرتكبها فقط؛ ويقول الله تعالى في الآية 38 من سورة النجم: “ولَّاتَزِرُوَا وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ”؛ ويؤكد الأستاذ بديع الزمان النورسي أن القاعدة هذه واحدة من الأسس التي تقوم عليها الدولة، ويقول: “لا يجوز إغراق سفينة تحمل تسعة مجرمين وشخصا واحدا بريئا من أجل إنقاذه”. إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية لم تبال بهذه القاعدة –رغم أهميتها- وبدأت تحيك المؤامرات لاستهداف حركة الخدمة كلها وتورط نفسها في جرائم وتجاوزات قانونية، بزعم أن رجال الأمن والقضاة الذين شاركوا في كشف وقائع الفساد في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول 2013، ينتمون للحركة. وهذه أيضًا لا يصب إلا في مصلحة منظمة حزب العمال الكردستاني والإرهاب.
وفيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، فهناك دوامة من المؤامرة يشهدها هذا الملف. وهنا يقول الكاتب الصحفي متين سافار: “لماذا لم تتمكن السلطات المختصَّة من القضاء على حزب العمال الكردستاني في أعقاب انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول؟ أم أنه دمية تستخدمها القوى الخارجية من أجل أن تصل إلى أهدافها؟”. وكان ماهر كايناك ومليح أكتاش، الخبيران في المخابرات التركية يعتقدان أن قادة ميدانيين مثل شريف بيتليس وخلوصي آيدن، قتلوا لأنهم وقفوا في وجه مخططات تفتيت البلاد وإقامة دولة كردية منفصلة في المنطقة. ولفت ماستان شانار، أحد المدراء السابقين لشعبة المخدرات بمديرية أمن إسطنبول، إلى أن دور حزب العمال الكردستاني في سوق تجارة المخدرات العالمي يثير علامات استفهام كثيرة، متهمًا الحكومة بالتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع عمليات إنتاج المواد المخدرة في المناطق الجنوبية من البلاد. والآن يتهم حزب العدالة والتنمية العلامة المفكر الإسلامي الأستاذ فتح الله كولن بالإرهاب، ويطالبون الولايات المتحدة الأمريكية –حيث يقيم الأستاذ كولن في مخيمه في ولاية بنسلفانيا- بتسليمه، في حين أنهم لم يصدروا أي قرار تعقب أو اعتقال رسمي في حق الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، طوال عشرات السنين من الحرب ضد الإرهاب، ولم يتم التقدُّم بطلب للشرطة الدولة “الإنتربول” للمساعدة في إلقاء القبض عليه. ولم يتم اعتقال أو محاكمة أوجلان غيابيًا أو حتى الحكم عليه، حتى تم إلقاء القبض عليه واعتقاله. وحتى لم يتم إسقاط الجنسية عنه.
وإذا نظرنا إلى تصاعد العمليات الإرهابية مرة أخرى من هذا المنظور، يجب ألا ننسى التقرير الذي رآه الدكتور سفا يوروك الخبير بالإرهاب، على مكتب البروفيسور توجا بجورجا بمعهد العلاقات الدولية في النرويج عام 2003،يدور عن الحرب الأهلية في تركيا اعتبارًا من 2011.