مصطفى أونال
عقد العدالة والتنمية مؤتمره العام الدوري الخامس في ظروف استثنائية. ولا أعني أحداث العنف التي تشهدها البلاد فحسب.
فحزب العدالة والتنمية يشكل أجندة البلاد والجميع قلق إزاء التطورات الأخيرة ولاسيما أتباع العدالة والتنمية. أما أنقرة فيشوبها الغموض. فهي لا تُدار أو تحكم، بل تنساق وتنجرُّ.
فقد خرج العدالة والتنمية منهزما من انتخابات 7 يونيو/ حزيران الماضي. إذ إنه لم يمتلك قوة تؤهله لتغيير الدستور، ولا انفرد بالسلطة لتشكيل الحكومة بمفرده. فالفوز بـ258 مقعدا برلمانيا بالنسبة لحزب يطمح إلى 400 مقعد، يُعتبر هزيمة بلاشك. ورغم ذلك لم يعمد هذا الحزب إلى النقد الذاتي. بل حمَّل المسؤولية للشعب. علما بأنه من الطبيعي جدا أن يخسر الحزب أصواته الانتخابية، إذا ما انسلَّ من جذوره، وابتعد عن مبادئه، وأصبح مستكبرا متجبرا. وقد كان هذا المؤتمر فرصة للمحاسبة. إلا أنه لم يستفد من هذه الفرصة. ولذلك فقد كانت تصريحات الرئيس السابق عبد الله جول في غاية الأهمية، حيث قال منوِّها بهوية الحزب التي أُسِّس عليها وبأفكاره: “لقد تأسس هذا الحزب من خلال الفطرة السليمة القائمة على مبدأ الفضيلة والوفاء والعمل بالعقل الجمعي دون الابتعاد عن الحق والقانون”.
أي إنه يدرك أن العدالة والتنمية ابتعد عن مبادئه كثيرا، بل إنه لايودُّ الاستماع لهذا الاننتقاد. فالعدالة والتنمية اليوم لديه هموم أخرى. حيث كانت هناك رسالة تكمن في تعيين بكير بوزداغ رئيسا للمؤتمر،وعبد الرحيم بوينوكالين عضوا في الديوان. وهذه صورة تعبر عن نفسية العدالة والتنمية، والاضطراب الذي يعيشه.
بيد أنه لايمكن إنكار تأثير وقوة القصر في العدالة والتنمية. ولكن إلى أي مدى؟ فهل سيستولي على إدارة الحزب كليا، أو سيكتفي برسم الخطوط العريضة للحزب تاركا بعض الأداء الجزئي لداود أوغلو؟ ولا يمكن القول بأن داود أوغلو قاد المرحلة الانتقالية باحترافية. بل تشتت بكل ما تعنيه الكلمة. حتى إنه فقد كل كياسته النابعة من كونه أستاذا جامعيا وتحول إلى سياسي عادي يسير وفق الرياح التي تهب من القصر.
لذا فقد حضر داود أوغلو المؤتمر وهو مقصوص الجناحين، لا يقدر على التحليق بمفرده ليُبرز أداءً مستقلا خاصًّا به. وعلى الرغم من ذلك فقد ظهرت مشكلة حول قائمة مجلس اتخاذ القرار بالحزب. فحاول داود أوغلو أن تكون له كلمة. واعترض على قائمة القصر. ولكن كان بعض الأشخاص قد هددوه وكأنهم يلاحقونه كظله مثل بن علي يلدريم وقالوا له إن القصر لا يحتمل منك هذه الحركة. وحينها بدأت الخطة البديلة.
تحمَّس بن علي يلدريم لرئاسة الحزب، وبدأ يلتقي مع المصوتين. وما إن رأى داودأوغلو هذه الصورة حتى استسلم للأمر الواقع. وتراجع عن اعتراضاته كلها. وقبل برئاسة الحزب من جديد محافظا على منصبه. ولكن ضعف نفوذه أكثر فأكثر. ولذلك لن يكون مرتاحا في هذا المنصب.
وتغيرت بعض الأسماء والوجوه، ولكن خلايا وأنسجة العدالة والتنمية لم تتجدد في هذا المؤتمر. حيث أصبح العدالة والتنمية حزبا يقوده داود أوغلو الذي ضعف كثيرا، وإدارة نذرت نفسها لمجابهة ما تسميه الكيان الموازي. ولا يوجد شخص واحد في القائمة يمكن أن ينسجم مع داودأوغلو، ولو رُشِّح داود أوغلو للبرلمان لما حصل على الموافقة من مجلس الحزب. لذا سيواجه العدالة والتنمية المزيد من المصاعب والمشاق .