علي أونال
من مظاهر سنة الله في الكون أن تكون الجبال شامخات تناسبا مع عمق البحار بموجب وضع الميزان في الأرض.
وكذلك يرتقي بعض الناس بقدر تردي أناس آخرين إلى الحضيض. فها نحن نرى أن أكثر الناس ترديا يعيشون في تركيا؛ إذن لا بد أن هناك أناسا ارتقوا إلى الأعالي في هذا البلد أيضا. هناك أناس في هذا البلد يسعون لترسيخ أسس المستقبل السعيد للبشرية في العالم قبل قيام الساعة وهم عازمون على الاستمرار في السير على هذا النحو. والله تعالى يمتحن أهل هذا البلد الذي ستحدث فيه تغيرات عظيمة. وكما أخبرنا الله تعالى في كتابه العزيز فإنه يميز الخبيث من الطيب، ويجمع الخبيث ركاما. وإن حدوث التغيُّرات الجذرية في البلد على النحو المطلوب مرهون بتغيير الناس ما بأنفسهم. وهذا يتطلب معرفة الحقيقة قبل كل شيء. إلا أن الإعلام الموالي للحكومة يستمر في إنتاج الأكاذيب والافتراءات حول حركة الخدمة، ويغيِّب الحقائق عن متابعيه، فلا يذكر شيئا عن تقارير الشرطة وملفات الدعاوى القضائية فيما يتعلق بعمليات الفساد والرشوة والأموال السوداء في 17-25 ديسمبر/كانون الأول 2013، مع أنها قد تكون أكبر عمليات الفساد في التاريخ. حتى إن عمليات داغليجا الإرهابية التي راح ضحيتها 16 شهيدا حسب الإحصاءات الرسمية، وأكثر من ذلك حسب الإحصاءات غير الرسمية، لم تُذكر في العناوين الرئيسية لصحف الإعلام الموالي، ولا حتى في الصفحات الأولى منها.
لقد اشتعل البلد بالنيران. فما سبب ذلك؟ ومن هو المتسبب؟ فمن المعلوم أن منظمة حزب العمال الكردستاني كاد أن يُقضى عليها تماما إثر عمليات داغليجا، وأكتوتون، وجديك تبه، وخان تبه (في عام 2012 كان الجيش وجه ضربات شديدة للمنظمة الإرهابية وكان أوشك على أن يقضي عليها تماما). غير أنه استعاد قواه بسرعة بعد إطلاق مفاوضات السلام والتغاضي عنها خلال 3 سنوات. وهذا ما أفادت به اعترافات الرئيس رجب طيب أردوغان ونائب رئيس الوزراء السابق بولت أرينتش ورئيس الوزراء أحمد داوداوغلو. ولطالما أثنوا في تلك الفترة على أوجلان والعمال الكردستاني، فقد شطبوا اسم العمال الكردستاني من الكتاب الأحمر (وثيقة الأمن القومي) الذي كان يعتبره مصدر تهديد خطير. وأُفرج عن معتقلين بسبب عضويتهم باتحاد المجتمعات الكردستانية (بنية المنظمة الإرهابية في المدن). وكانت نائبة رئيس المخابرات السابقة آفت جونش قد خاطبت ممثلي الكردستاني في مباحثات أوسلو قائلة: “نحن نعلم أنكم خبأتم القنابل في المدن الكبرى”. وهذا يعني أن الحكومة غضت الطرف عن نشر القنابل في المدن الكبرى. ناهيك عن أن اعتراف الوزير المسؤول عن مسيرة السلام يالتشين أكدوغان، يفيد بأنه تم التخطيط لكل هذا كي يحصل أردوغان على مزيد من الأصوات ليصبح رئيسا بصلاحيات مطلقة. ولكن حينما انتقلت الأصوات التي كان يطمح لها أردوغان لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي قُلبت طاولة المفاوضات. ويتحول البلد يوميا إلى بحيرة من الدماء، وبدأ اقتصاده ينهار، وأصبح شعبه ينقسم إلى قسمين. حتى لاحت بوادر النزاع الداخلي في الأفق. وفي ظل هذه الأحداث نجد في المقابل:
أن 45% من طلاب المرحلة الثانوية في إسطنبول يدخِّنون، و32% منهم يشربون الخمر، و9% منهم يتعاطون المخدرات. فضلا عن أن 618 ألف طالب فقط من أصل مليون و986 ألفا و995 طالبا قد نجحوا في امتحان القبول الجامعي. أي إن 38.11% منهم لم يحصلوا على 180 نقطة؛ الحد الأدنى المطلوب للنجاح. في حين أن معدلات درجات النجاح في المواد الدراسية على النحو الآتي (الدرجة الكاملة 10): اللغة التركية 3.75/10، العلوم الاجتماعية 2.5، الرياضيات الأساسية 1.25، العلوم الطبيعية 0.9. فإذا كانت هذه هي حال الطلاب فهل المعلمون أفضل حالا منهم؟ إذ إن معدلات درجات المعلمين في امتحان القبول الوظيفي عام 2014 كانت على النحو الآتي (الدرجة الكاملة 10): العلوم الاجتماعية 5/10، التاريخ 4.6، الأدب 4.2، الجغرافيا 4، رياضيات المرحلة الابتدائية 4، الكيمياء 4، علم الأحياء 3.8، العلوم الطبيعية 3.2، رياضيات المرحلة الثانوية 3.2، العلوم الطبيعية 2.6 درجة.ومعدل درجات النجاح في الاختبار الأول للمرشحين لوظائف الأئمة والخطباء والخدمات الدينية الأخرى كان 3 درجات، أما في الاختبار الثاني فكان المعدل 1.4 درجة.
ومع ذلك كله أخذت حكومة العدالة والتنمية تستهدف رجال الأمن والشرطة بحجة أنهم من حركة الخدمة بعد عمليات الفساد في 17و25 ديسمبر/كانون الأول، فسجنت بعض ضباط الشرطة الخبراء في مكافحة الإرهاب والعمليات الاستخباراتية، وأقصت البعض الآخر عن مهامهم. وفوق ذلك بدأت باقتحام مدارس الخدمة في شرق وجنوب شرق البلاد، مع العلم بأنها معترف بها عالميا أنها تخدم في إكساب القيم الإنسانية والأخلاقية، وأنها تقف سدا منيعا دون انضمام آلاف الشباب إلى منظمة العمال الكردستاني الإرهابي. وليس هذا فحسب بل أغلقت هذه الحكومة مراكز دروس التقوية التي تعد الطلاب للامتحانات، ومارست ضغوطا كبيرة غير قانونية على شركات مثل مجموعة “كايناك” و”إيبك كوزا” بدعوى أنها تمول أنشطة حركة الخدمة رغم تفتيشها مرارا وتكرارا.
كفاكم ظلما! فإن لم تكتفوا فإنكم ستنهارون بظلمكم، ولكنكم ستتركون وراءكم بلدا تحول إلى ساحة حريق، ولن تُذكروا في التاريخ إلا باللعنة.