تروى في القرآن الكريم قصة قارون وضلاله وعاقبته وما لحق به من عقاب في صفحتين تقريبًا. كان قارون معروفًا بحبه للتفاخر والتباهي والعظمة أمام الجماهير وحسد الآخرين على ما بأيديهم وتمني أن تزول منهم وتصبح عنده وحده.
كان قارون مختالًا فخورًا يخرج على قومه في زينته ويمشي في الأرض مرحًا حتى أنزل الله تعالى به العذاب الملائم لما كسبت يداه وخسف به وبقصوره الأرض.
وكما قال الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي، فإن التواضع يرفع الإنسان ويعلوا به فوق السحاب، والكِبْرَ يخسف بصاحبه الأرض ويُنزِله أسفل سافلين.
“وَمَاظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”
يقول المولى عزَّ وجَل في الآية 117 من سورة آل عمران: “وَمَاظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”.
لا تظلم: أي لا تسمح لنفسك أن تسول لك بالغطرسة، أو التعدي على الحقوق والقوانين، ولا تقف في وجه الحق.
وتروى في سورة العنكبوت، قصص أقوام وقبائل انتابتها الغطرسة، وتخطَّت حدودها، ووقفت في وجه أنبياء الله المرسلين، مبينًة ما أصابهم من بلاء ومصائب، في عاقبة ما ارتكبوه.
ويؤكد الله جَلَّ وعلا مرة أخرى في نهاية الآية الأربعين من سورة العنكبوت (40)، “وَمَاظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ”، فقد استحقوا ما حلَّ على رؤوسهم من بلاء ومصائب بما فعلوا من ظلم وكبائر.
لا يجب المجاهرة بالمعصية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون” (الترمذي). نعم! فكل إنسان عرضة للوقوع في الأخطاء، وارتكاب المعاصي. إلا أنه كما ستر الله العبد ولم يفضح معصيته، يجب على العبد أيضًا عدم المجاهرة بالمعصية.
ويضيف سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم في حديثٍ شريف بإسناد البخاري: “كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنّ منَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَيَقُولَ يَافُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْبَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ”.
فقد اعتبر الإسلام المجاهرة بالمعصية التي سترها الله ولم يفضحها، معصية وذنبا. وذمَّ وتوعَّد الله من يحب إشاعة الفواحش والمجاهرة بالمعاصي، فما بالك بمن يشيعها ويعلنها، وسط الناس بعد أن ستره الله.
اللهم استرنا بسترك واغفرلنا ذنوبنا!
لهذا نقول إن كل ابن آدم من الممكن أن يقع في الأخطاء ويرتكب المعاصي. ولكن فضح المعصية والمجاهرة بها علنًا بعد أن ستره الله، بدلًا عن العودة إلى الله وسؤاله من رحمته أن يغفر له ذنوبه، يزيد من ذنبه ومعصيته. إلا أن الله عزَّ وجلَّ اصطفى لنفسه اسم “ستّار العيوب”. لذلك علينا أن نلجأ له ونرفع أيدينا بالدعاء قائلين: “يا الله يا ستار يا غفار! تجاوز عن سيئاتنا ومعاصينا! واستر عيوبنا وعوراتنا!”.