إسطنبول (زمان عربي) – يومًا بعد يوم تزداد حالة دار الأيتام الرومي القديم سوءًا بعد أن كان الأكبر في أوروبا والثاني على مستوى العالم من حيث الحجم. ويمكن مشاهدة المبنى التاريخي بسهولة أثناء الذهاب والإياب من جزر الأميرات في إسطنبول.
يقع دار الأيتام الرومي القديم في منطقة كثيفة الأشجار في الجزيرة الكبيرة “بويوك آدا” من جزر الأميرات المطلة على مدينة إسطنبول. وقد هُجِرَ وتُرك في 21 أبريل/ نيسان 1964، أي قبل نصف قرن تقريبًا. أو بمعنى آخر، ترك عنوة نتيجة الصراع السياسي التركي اليوناني، والخلافات السياسية بينهما.
وفي عام 1903 قررت شركة “Société des Grandes Hotels Européens” الفرنسية للخدمات الفندقية، برئاسة الكونت موريس بوخارد، إنشاء فندق في الجزيرة الكبيرة، التي تعد أحد أهم المراكز الصيفية في إسطنبول.
يتكون المبنى من 206 غرف، وقاعتين كبيرتين للطعام، وصالات اجتماعات، وقاعات احتفالات وحفلات موسيقية، بالإضافة إل مطبخ يضم أفضل وأرقى التجهيزات في ذلك الوقت.
الدولة العثمانية ألغت رخصة العمل بالمبنى بعد أن بدأ ملاكه استخدامه كحانة للقمار
كان زبائن الفندق الذي كان من المقرر استخدامه باسم “Prinkipo Palace”هم الأوروبيون الذين يأتون لزيارة تركيا بـ”قطار الشرق السريع”. إلا أن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهيه السفن؛ فإذا بالباب العالي (الحكومة) في الدولة العثمانية يصدر قرارًا بوقف مراسم الافتتاح الخاصة به، بعد أن أدرك أن المكان سيدار لأعمال المقامرة والسهرات الليلية.
ومن يومها ظل المبنى الذي كان جاهزًا بكل المعدات والأجهزة، جامدًا لم يطرأ عليه جديد، إلى أن تم شراؤه من قبل السيد أليني ظريفي أحد أعضاء عائلة ظريفي التي تعمل بالتجارة، من أغنى عائلات إسطنبول، عام 1905، مقابل 15 ألف ليرة عثمانية، وتم تخصيصه لصالح بطريركية الكنيسة على أن يكون دار أيتام للأطفال الروم.
رعاية السلطان العثماني للروم
كان المبنى يستخدم كدار أيتام بتبرعات أثرياء القبائل والعائلات الرومية في تركيا، كما تبرع السلطان عبد الحميد الثاني بمبلغ 1180 عملة ذهبية، ثم أصدر قرارا بتخصيصها لصالح جمعية الروم الأرثودوكس، على أن يخدم الأيتام في مناطق إسطنبول، وبوزجا أدا، وجوكتشه أدا والمناطق المجاورة.
تحول دار الأيتام إلى مركز تعليمي كبير بعد أن أصبح عدد الأيتام فيه يتخطى الألف تقريبًا، ويضم عددا كبيرا من المعلمين والموظفين.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى، ومع بداية أولى سنوات الجمهورية التركية، بدأ الدار استقبال المهاجرين القادمين من روسيا البيضاء إلى إسطنبول، وكذلك طلاب المدرسة الحربية في إسطنبول.
وفي عام 1925 عاد المبنى إلى وظيفته الأصلية، وعاد مرة أخرى لتربية وتعليم الأيتام، وتهيئتهم للحياة بعد تكوينهم مهنيا حتى عام 1964.
الحصاد المر لسياسة الحرب!
قبل أن تُوصد أبواب الدار، في عام 1962، كان يضم 173 طالبا في المرحلة الإبتدائية، و15 من الصبية، وعددا من الشباب الذين يستمرون في استكمال تعليمهم في المراحل التعليمية المختلفة من تعليم متوسط “إعدادي” وحتى الثانوية.
كما كان يضم المبنى مستشفى، وملاعب، ومكتبة بها عدد من الكتب باللغة التركية والرومية، و6 فصول للتعليم الإبتدائي، بالإضافة إلى ورش نجارة وحدادة لتعليم المهن الحرفية.
وألقت الخلافات السياسية والصراع التركي اليوناني على جزيرة قبرص بظلالها على دار الأيتام الرومي الواقع في الجزيرة الكبيرة بالقرب من إسطنبول. وعقب ذلك أصدرت الحكومة قرارًا بإغلاق الدار حتى إشعار آخر.
ظلَّ المبنى صامدًا رغم الخلافات السياسية والعوامل الطبيعية على مدار 46 عامًا، حتى أصدرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قرارًا عام 2010 بإعادة تخصيص الدار مرة أخرى للبطريركية. إلا أن هذا القرار لم يحرك ساكنًا ولم يتغير شيء بسبب الصعوبات المالية ونقص التمويل.