عمر نور الدين
فتحت حادثة الطفل السوري ايلان الذي قذفته الأمواج قتيلا إلى الشاطئ في بلدة بودروم السياحية جنوب غرب تركيا، والذي حظيت صورة جثته الهامدة الملقاة على الشاطئ بمشاركات صاعقة على مواقع التواصل الاجتماعي حركت مشاعر الملايين في أنحاء العالم، شهية المتاجرين بالقضايا الإنسانية للعديد من الأسباب، وأغلبها سياسي لإثارة قضية اللاجئين السوريين على نطاق واسع وكأن العالم كان ينتظر صورة هذا الطفل ليتحرك بعد 4 أعوام قتل فيها آلاف الأطفال وقطعت أطراف آلاف غيرهم ليعيشوا كالأموات لا أمل لهم في المستقبل.
أمر جيد أن يتحرك المجتمع الدولي لمحاولة إيجاد حل لقضية اللاجئين السوريين ، لكن ما سيكون جيدا أكثر بالطبع أن تترجم التصريحات الصارخة للسياسيين في أنحاء العالم إلى أفعال على الأرض لإيجاد حل للمشكلة السورية، لأن من الأساس سيقضي بالطبع على مشكلة اللاجئين، الذين يتعامل معهم الكثيرون على طريقة ناشطي جمعيات الرفق بالحيوان فيسرفون في الكلمات المؤثرة التي تحرك المشاعر فيما لا يجد من يموتون كل لحظة يدا تمتد لهم بالرحمة، مع العلم بأن هناك جمعيات للرفق بالحيوان تنجح في تقديم الكثير مما لم يفلح الساسة ومحترفو التصريحات في تقديمه لبني الإنسان سواء في سوريا أو في فلسطين أو العراق أو في أفريقيا الوسطى أو دارفور أو في ميانمار أو تشينجيانج (تركستان الشرقية) أو في غيرها من بقاع الأرض التي تشهد مآسي إنسانية يشيب من هولها الولدان، ويعامل فيها الإنسان الذي كرمه ربه وأحسن خلقه معاملة أدنى بكثير من معاملة الحيوان.
وفي زخم مشاعر الأسى وجرعات الإنسانية المتدفقة والدموع المنهمرة بسبب مأساة الطفل ايلان ذي الثلاث سنوات، تعالت الأصوات التي تحركت بدوافع مختلفة لكن ما كان بارزا وسط كل ذلك، بعيدا عن تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أو رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، التصريحات التي انطلقت من تركيا كونها إحدى الدول التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، وكونها أيضا البلد الذي وقعت فيه مأساة الطفل إيلان، والتي تحولت إلى موضوع شد وجذب على مواقع التواصل الاجتماعي ما بين تصريحات كبار مسؤولي الدولة مثل الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوداوغلو وأنصارهما التي انصبت على استهجان موقف المجتمع الدولي وإبراز الدور الكبير لحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في فتح الأبواب للاجئين السوريين، بغض النظر عن أن السياسة الفاشلة لهذا الحزب تجاه الأزمة السورية كانت أحد أسباب تفاقمها ووصولها إلى ماهي عليه اليوم، وبين التيار المعارض للعدالة والتنمية الذي يحمله المسؤولية الأكبر في أزمة اللاجئين السوريين وصولا إلى مشهد الطفل إيلان.
ومن المتوقع بالطبع أن يستغل هذا الموضوع بشكل مكثف، لاسيما من جانب أردوغان وداوداوغلو، خلال الفترة السابقة على الانتخابات البرلمانية المبكرة التي من المقرر أن تجرى في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والتي يستميت حزب العدالة والتنمية وأردوغان من أجل استعادة الأغلبية في البرلمان عن طريقها.
إذن فخلف التصريحات والكلمات الرنانة تكمن أهداف أخرى توظف فيها حتى أرواح البشر في ألاعيب السياسة.
وليس أدل على ذلك مما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا من تفاعل مع تصريحات لرجل أعمال مصري هو نجيب ساويرس، طرح مبادرة لشراء جزيرة في إيطاليا أو اليونان لإيواء اللاجئين السوريين فيها ، واستخدم ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي هذه المبادرة وقدموها على أنها يجب أن تكون النموذج الذي ينبغي تطبيقه في التعامل مع هذه الأزمة بدلا عن محاولة استغلالها للفوز بالانتخابات كما يفعل أردوغان وداوداوغلو، وإن كان ساويرس نفسه هو أحد المشتغلين بالسياسة في مصر كونه مؤسس حزب المصريين الأحرار الذي يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية في مصر في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وإذا كانت الانتخابات في تركيا هي العامل الذي حرك بعض الساسة لالتقاط قضية الطفل السوري الغريق لدى محاولة أسرته الهروب إلى أوروبا فرارا من الحرب في سوريا، على الرغم من الاكتفاء بموقف المتفرج عندما كان يقتل نحو ربع مليون سوري بشتى أنواع الأسلحة من تقليدية إلى كيماوية إلى براميل متفجرة، في ظل صراع بين قوى تتصارع على دماء هذا الشعب، ومجموعات شتى تتقاتل وتقتل المئات كل يوم من أجل السيطرة على الأرض، فإن ما تكشف من معلومات عما يجري للاجئين المسلمين في أوروبا التي انبرى زعماؤها لتصدر المشهد الإنساني الحماسي بعد مأساة الطفل إيلان على شواطئ تركيا يكشف عن كثير من النفاق والتلاعب بمآسي هؤلاء اللاجئين.
فقد تحدثت تقارير عن عمليات تنصير واسعة للاجئين المسلمين في كنائس ألمانيا التي يقودها الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة أنجيلا ميركل، إذ قال الكاهن جراتفرايد مارتينيز إن بعض طالبي اللجوء المسلمين من إيران وأفغانستان وسوريا والعراق يغير دينه لتحسين فرصه في البقاء في ألمانيا، لكن بالنسبة له كقس، الدافع غير مهم.
ووردت أيضا تقارير من جماعات مسيحية أخرى في أنحاء ألمانيا من بينها الكنائس اللوثرية في هانوفر وراينلاند، عن تزايد أعداد الإيرانيين المتحولين إلى المسيحية، ولكن ليست هناك أعداد محددة لعدد المسلمين الذين تنصروا في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، وهم أقلية ضئيلة مقارنة بإجمالي عدد المسلمين في ألمانيا الذي وصل إلى 4 ملايين مسلم.
وتشهد ألمانيا تدفقا غير مسبوق من طالبي اللجوء حاليا، ويتوقع وصول عدد المهاجرين إلى 800 ألف مهاجر هذا العام، وهو أكبر أربعة أضعاف من عددهم العام الماضي ومعظم الوافدين الجدد من دول مسلمة مثل سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان، وبينما سيحصل اللاجئون من سوريا التي مزقتها الحرب الأهلية غالبا على اللجوء، فإن الوضع معقد أكثر بالنسبة لطالبي اللجوء من إيران أو أفغانستان، اللتين تبدوان أكثر استقرارا، وخلال السنوات الأخيرة، سمح لحوالي 40 – 50% من القادمين من الدولتين بالبقاء في البلاد، بينما سمح لكثيرين منهم بالبقاء مؤقتا.
حتما ستهدأ النفوس الثائرة بسبب مأساة الطفل إيلان، والتي ستتحول مع الوقت إلى مجرد حادثة من آلاف الحوادث التي سيشبعها السياسيون استغلالا في الدعاية لأنفسهم في الانتخابات، وبلاشك سيقتل كل يوم مزيد من أطفال سوريا وغيرها إما بالرصاص أو طعنا أو حرقا أو غرقا.. لأن الأطماع والأهداف الخبيثة التي تقوم من أجلها الحروب في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي لن تتوقف عند حد .. لكن المؤسف حقا أن يكون المتاجرون بمأساة اللاجئين السوريين هم أول من عقدوا أزمتهم وتسببوا في تضخيمها .. هؤلاء لن ينسى التاريخ ما فعلوا..