علي بولاج
“وإذا الموؤدة سُئلت بأي ذنب قُتلت” سورة التكوير الآية 8-9
كلما تذكرت صورة الطفل “آيلان” الذي قذفته أمواج البحر إلى ساحل بودروم جنوب غرب تركيا تذكرت هاتين الآيتين. فآيات سورة التكوير تصور الآخرة عموما إلا أنها تشير إلى حوادث الدنيا أيضا. وتلي هاتين الآيتين قولُه تعالى في الآية العاشرة: “وإذا الصحف نُشرت”.. أي صحف أعمال البشر في الدنيا.
ثمة قوانين إلهية نافذة في حياتنا الاجتماعية على مدى التاريخ، وهي كالقوانين الطبيعية التي تسيِّر النظام الكوني. وكلا هذين النوعين من القوانين يُسمى ب”السنن الإلهية”. وهذه القوانين تنعكس في بعض الحكم والأمثال الشعبية. مثلا حكم “ما من ظالم إلا يُقتصّ منه للمظلوم”، يقابله المثل “إن ظلمت أحدا وقال آه بألم لا بد أنك تتألم مثله إن عاجلا أو آجلا” أو “إن أنين المظلوم يهز عرش السلطان”.
والشعب السوري تعرض للظلم. فقد تسلط عليهم حاكم ظالم، وبسببه بدأت الحرب الأهلية التي راح ضحيتها قرابة 250 ألف شخص، ونزح ملايين الناس عن بلدانهم جراء هذه الحرب التي لاتزال مستعرة بظلمها وهناك من يصب الزيت على النار. وبذلك تفتت سوريا. وثمة قوتان أساسيتان تسببتا بالأزمة السورية؛ الأولى هي (الأنجلوسكسون- إسرائيل) وهي قوة تعمل على تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى عدم إبقاء أية دولة للمسلمين أكثر فاعلية وقوة من إسرائيل في المنطقة.
أما القوة الثانية فهي الدول التي تخاف من امتداد ثورات الربيع العربي إليها. علما بأن جرائم إيران في سوريا ليست قليلة. كما أن سياسة الحكومة التركية إزاء سوريا كانت خاطئة برمتها حيث جرت الكثير من الويلات على المنطقة، إذ صرح المسؤولون في تركيا في بداية الأزمة السورية: “سوريا مسألة داخلية بالنسبة لنا. سيسقط الأسد خلال 3 أشهر، وسنصلي الجمعة في دمشق. وسنعود لبسط سيطرتنا على المنطقة”. وقد كتبتُ منذ اليوم الأول عما يمكن أن تجره هذه السياسة الخاطئة من الكوارث حيث قلت:
ليس بإمكانكم إسقاط الأسد الذي يحظى بدعم اجتماعي داخلي، وإقليمي، ودولي.
2 – إن الأسلوب الصحيح في التغيير ليس هو “الخروج على السلطان”، بل “التمكين”الذي يعتمد على التغيير على المدى البعيد.
3 – إن حاولتم إسقاط الأسد بالقوة تتمزق سوريا وتظهر حرب أهلية تطال ملايين المظلومين.
وكانت كل الجماعات الإسلامية بدون استثناء دعمت سياسة الحكومة الجاهلة في السعي لتوسيع النفوذ في المنطقة. وكانت تركيا قد وقعت في الفخ الذي نصبه الغرب والدول التي وعدت بضخ النفط والدولارات؛ وذلك بدلا عن أن تعمل تركيا على رأب الصدع، وتلعب دور الحكم بين الأطراف المتنازعة، والدعوة إلى الصلح والصلاح بوصفها دولة متأنية وذات خبرة.
إننا لم نقدم أدنى انتقاد حتى الآن. فهذه السياسة قد انهارت تماما، وما زال الساسة يتكلمون. ويكفينا خجلا ما يتعرض له السوريون الذين يلجؤون إلى مختلف دول العالم هربا من بطش الأسد والتنظيمات المعارضة. وكان المسيحيون يقولون في فترة من التاريخ: “إننا نفضل رؤية العمامة التركية على رؤية القلنسوة اللاتينية في الحكم”. ولكن المستضعفين من المسلمين اليوم يفرون من الأنظمة والتنظيمات المعارضة في بلدانهم إلى الدول الغربية.
وإن محاسبتنا – أمام الله – على الطفل آيلان الذي غرق في البحر لن تختلف عن محاسبة عرب الجاهلية على وأد بناتهم. لذا علينا أن نخاف من اقتران الآية التي تحدثت عن الوأد في اليوم الآخر. وذلك لأننا استخدمنا قوة إعلامنا في العالم كعنصر تهديد، ولم تعترف قوانيننا بأخطائنا التي ارتكبناها في سوريا، بل اكتفينا بتحميل المسؤولية بأكملها للأسد الأب ونجله القاتل. بل نفتخر بأننا فتحنا الحدود أمام اللاجئين السوريين.
يمكننا أن نخدع شعبنا ونقنعه بذلك، ولكن قوتنا الإعلامية وقوانينا لن يجديا نفعا عندما تُنشر الصحف التي كتبت بيد “الكرام الكاتبين” دون نقصان. فلا بد من أننا سنتعرض للمحاسَبة على النساء اللواتي انتُهكت أعراضهن، والرجال الذين قُتلوا بغير وجه حق، والطفل آيلان الذي غرق في البحر. كما ستكون هنالك محاسبة على تفضيل الاستراتيجيات والحسابات الوطنية على الإيمان.
ولننظر إلى انجراف بلدنا نحو حرب أهلية، فلا بد من أن تكون دعوات المظلومين السوريين التي ترتفع إلى السماء السابعة، أحد أسباب المصائب والكوارث التي نتعرض لها. ولنخش ما هو أدهى وأمر!