من بول تيلور
بروكسل 6 سبتمبر أيلول (رويترز) – تمثل الانقسامات العميقة حول
كيفية التعامل مع طوفان المهاجرين من الشرق الأوسط وافريقيا واسيا
خطرا على قيم الاتحاد الاوروبي ومكانته العالمية وربما تقلص قدرته
على العمل الجماعي لإصلاح منطقة اليورو والتخفيف من أزمة ديون
اليونان.
ومع الصور المروعة لأطفال غرقى وسوق اللاجئين كالقطعان لركوب
القطارات أو النزول منها وتعرضهم للضرب على أيدي رجال الشرطة وظهور
أسيجة الأسلاك الشائكة لتقسم أوروبا أصبحت أزمة الهجرة المعادل
الأخلاقي لأزمة منطقة اليورو.
ففي الحالتين يتعرض مبدأ التكاتف لاختبار صعب.
وتعمل الأزمة الأخيرة على إضعاف مثل التكامل الأوروبي من خلال
ظهور الاتحاد الاوروبي بمظهر العجز والتفكك والقسوة وتأليب الدول
الأعضاء بعضها على بعض ومناصرة الشعبوية السياسية والمشاعر
المناهضة للمسلمين.
ومع ذلك ففي كثير من الأحيان تحدث حالة من الفوضى وتبادل
الاتهامات قبل أن يتوصل الاتحاد الاوروبي إلى رد موحد على أي تحد
جديد. وربما بدأ تحول في السياسات ردا على صور المعاناة الفظيعة
والمخاوف من انهيار منطقة شنجن القائمة على فتح الحدود أمام انتقال
الناس بين 26 دولة أوروبية.
وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاسبوع الماضي
“العالم يراقبنا” وهي تحاول اقناع زعماء أوروبا بالمشاركة في عبء
استقبال اللاجئين الفارين من الحرب والبؤس في سوريا والعراق
وأفغانستان وليبيا وغيرها.
وقالت “إذا فشلت أوروبا في قضية اللاجئين فستتدمر رابطتها
القوية بالحقوق الانسانية العالمية ولن تكون بعد الآن أوروبا التي
حلمنا بها.”
ولم تلق المحاولة الجريئة التي بذلتها ميركل للقيام بدور
القيادة – على النقيض من حذرها العميق في أزمة اليورو – سوى تأييد
مشوب بالحذر من حلفاء مثل فرنسا حيث المعارضة الداخلية قوية
لاستقبال المزيد من المهاجرين بل قوبلت بالرفض مباشرة من دول مثل
المجر وبريطانيا.
وبالنسبة لكثير من الساسة الاوروبيين الذين يحاولون مجاراة
الناخبين فإن منع الهجرة غير المرغوبة يمثل أولوية أكبر من الترحيب
بمئات الالاف من الأجانب النازحين المرهقين لاسيما إذا كانوا
مسلمين.
* الصدع بين الشرق والغرب
للمرة الأولى في عشر سنوات منذ انضمت عشر من دول أوروبا الوسطى
للاتحاد الاوروبي فتحت الأزمة صدعا بين الشرق والغرب ورفضت معظم
الدول قبول حصص من اللاجئين بل ان بعضها استند صراحة لأسباب دينية.
ودفع ذلك المستشار النمساوي فيرنر فايمان إلى القول إن على
الاتحاد الاوروبي أن يعيد النظر في مساعداته المالية المستقبلية من
أجل التنمية إذا لم تشارك دول الشرق في تحمل العبء.
والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا – التي فر منها اللاجئون إلى
غرب أوروبا هربا من حملات التضييق الشيوعية في 1956 و1968 – من بين
الدول التي تعارض بشدة أي توزيع إجباري لطالبي اللجوء الآن.
وقد قال رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان إن المهاجرين يشكلون
خطرا على “الجذور المسيحية” لأوروبا بينما قالت سلوفاكيا وجمهورية
التشيك إنهما ستقبلان عددا صغيرا من اللاجئين ومن الأفضل أن يكونوا
مسيحيين.
واتهم أوربان ميركل بزيادة الطين بلة في الأزمة بإعلان استعداد
ألمانيا لقبول أعداد كبيرة من السوريين وتشجيع المزيد من اللاجئين
على المخاطرة بأرواحهم والاندفاع إلى أوروبا.
وقال انتونيو فيتورينو رئيس معهد جاك ديلور وهو مؤسسة أبحاث
مؤيدة للاتحاد الاوروبي “منذ بداية أزمة اليورو أصبحت أوروبا جزءا
من المشكلة الأخلاقية لا جزءا من الحل. وأزمة الهجرة هذه تزيد من
ضياع الدور النموذجي للتكامل الأوروبي.”
وقال فيتورينو المفوض السابق بالاتحاد الاوروبي للعدل والشؤون
الداخلية وهو برتغالي اشتراكي ساهم في وضع إطار قواعد اللجوء
المعيبة التي تداعت تحت وطأة أزمة العام الجاري إن صورة أوروبا
“كأرض للكرامة الانسانية واحترام التعهدات الدولية” باتت في خطر.
وفي مناطق من العالم مثل جنوب شرق اسيا وامريكا اللاتينية التي
كانت تتطلع في وقت من الاوقات للاتحاد الاوروبي باعتباره نموذجا
للتكامل الاقليمي بدأ الناس الآن يقولون “كنتم تعلموننا كيف نحل
مشاكلنا والآن أصبحتم عاجزين عن حل مشاكلكم.”
وسلم فيتورينو بأن اتفاقية دبلن – التي ساهم هو شخصيا في
صياغتها وتنص على أن أول دولة يطأ أرضها اللاجيء هي المسؤولة عن
التعامل مع طلب اللجوء – غير منصفة للدول الواقعة على أطراف أوروبا
والتي لا تتلقى مساعدة مالية أو عملية تذكر.
وأضاف “الممارسة العملية تظهر أن النظام لم ينجح. والآن خرجت
الأمور عن السيطرة.”
وتحتاج أوروبا سياسة لجوء مشتركة قادرة على فرز الطلبات وإعادة
من لا يستحقون اللجوء إلى بلادهم وإعادة توطين اللاجئين الحقيقيين
حسب قدرة الدول الأعضاء على استقبالهم.
* دفعة للخروج من الاتحاد الاوروبي
ومع اشتداد الجهود للتوصل إلى نهج مشترك تنذر الخلافات بين
زعماء الاتحاد الاوروبي بالسوء لمحاولاتهم لايجاد حلول للتحديات
الاقتصادية والبيئية مثل إصلاح منطقة اليورو أو التصدي للتغيرات
المناخية.
وقالت تينا فوردام كبيرة محللي السياسة العالمية في مجموعة
سيتي المصرفية الأمريكية العملاقة والتي تعتبر أزمة الهجرة مصدرا
رئيسيا للمخاطر السياسية في أوروبا “الاتحاد الاوروبي يواجه مشاكل
في التعامل مع أكثر من مشكلة في وقت واحد.”
وقالت لرويترز في مقابلة “الخلاف والتراجعات فيما يتعلق
باللاجئين والهجرة قد ينتهي به الأمر إلى تفتيت تماسك الاتحاد
الاوروبي وسحب الاكسجين السياسي اللازم للتعامل مع تحديات أخرى في
الاقتصاد أو أوكرانيا.”
ومن المحتمل أن تسقط حكومات بسبب هذه القضية أو تتأثر
الانتخابات المقبلة. وقد حدث بالفعل أن بدأ صعود الأحزاب الشعبوية
المناهضة للهجرة يعرض النموذج الاجتماعي في دول شمال أوروبا للخطر.
كما ترى فوردام أثرا محتملا لمفاوضات بريطانيا لتعديل علاقاتها
مع الاتحاد الاوروبي قبل أن تجري استفتاء على استمرار عضويتها فيه
قبل نهاية عام 2017.
وأضافت “قد يؤدي فشل بريطانيا الواضح في المشاركة في تحمل
العبء إلى إضعاف قدرة ديفيد كاميرون بدرجة أكبر على استخلاص
تنازلات قبل الاستفتاء.”
وقد رفض كاميرون الانضمام لخطة أوروبية لإعادة توطين اللاجئين
وظل يصر على أن الحل ليس في قبول عدد أكبر من اللاجئين إلى أن
انحنى أمام الضغوط الاعلامية بعد فورة المشاعر الانسانية بسبب صورة
طفل سوري غريق على أحد شواطيء تركيا.
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية – تحرير ملاك فاروق)