محمد كاميش
ثمة مجموعة تستغل قوة الدولة وتمارس إجراءات شبيهة ب”مطاردة الساحرات” وتداهم المساكن الطلابية والمدارس والمعاهد الخاصة وتستهدف رجال الأعمال الذين يتصدقون على الفقراء والأطفال المحتاجين.
وحين تمارس هذه المجموعة الظلم في البلد على الناس الذين لم يسبق لهم أن ارتكبوا جريمة أو شاركوا في أعمال إجرامية وظلت تنظر إلى الحياة من خلال المثل العليا للعيش؛ اكتفى بعض من الذين يدَّعون أنهم مسلمون متدينون بالمشاهدة فقط. ومنهم من ظهر بمظهر المحايد، ودعا في الندوات إلى تجنُّب النزاعات، لأن الأمة سوف تتضرَّر بذلك. وكانت تلك الدعوات إلى تجنب النزاعات مصحوبة بجمل منمقة وصحيحة، إلا أنها غير مطبَّقة على أرض الواقع.
وحين يمارس المسؤولون الظلم على الناس من خلال اقتحام المساكن الطلابية والمدارس ومقرات الشركات والصحف وقنوات التليفزيون يقول الذين يدَّعون الحيادية: “لا تعترضوا على الظلم، ولا تقولوا للظالم “ماذا دهاك”، ولا تعترض على السرقة والفساد والرشوة وارتكاب الجرائم؛ وإلا تضررت الأمة”. فقد وصلت الإجراءات التعسفية وانتهاكات القوانين إلى أوجها، فهم يداهمون البيوت والمدارس ومساكن الطلاب؛ ولكن أولئك الناس يكررون نفس الكلام للمظلومين: “حذار أن ترفعوا أصواتكم معترضين لتقولوا شيئا، وإلا فالأمة تتضرَّر”.
الأشجار تُقطع، والغابات تختفي، والطبيعة يُقضى عليها بشكل جائر، ولكن إياكم أن تقولوا شيئا. ولا تعترضوا أبدا على اكتساب ملايين الدولارات جراء المشاريع العمرانية التي تشوه المدن. فلتكن المكاسب غير المشروعة من نصيب فريق معين، ولكن لا تتفوهوا بكلمة اعتراض إزاء ذلك. وحتى لو كان استغلال مناصب الدولة لجمع الثروات، ملعونا في كل العهود السابقة؛ فلا تقولوا أي شيء بخصوص هذه المرحلة التي نشهد فيها أعلى مستويات الاختلاسات، وإلا تضرَّرت الأمة.
فالذين يدَّعون البقاء على الحيادية رغم المظالم، لا أقول لهم ما قاله المفكر الراحل جميل مريتش: “الحياد إزاء المظالم يُعدُّ انعداما للمروءة والشرف”، بل أقول لهم: “السكوت على هذه المظالم هو الخيانة الحقيقية للأمة”. إذ إن اقتصار الدين وقوانينه على الكتب، وعدم تطبيقها على أرض الواقع، وتجاهل الأمور التي طبقها الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر النبوة لهو قمة الخيانة. وأنا بدوري أُذكّرهم بالكلمة التي تروى أنها حديث شريف: “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.
فما الذي كنا نناضل من أجله منذ سنوات؟ المسلمون هم الذين سينشرون الحقوق والعدل والإنسانية في هذا العالم وفي هذا البلد؟أولم نكن ننادي بأن أحدا لن يأكل مال اليتيم، ولن تكون هناك طبقات وامتيازات في المجتمع. والأهم من ذلك هو ترسيخ مبدأ سيادة القانون لا قانون السادة، بحيث يصبح الجميع سواسية في ميزان العدل؟ أولم نكن ننادي بذلك واضعين نصب أعيننا بأن هذه الأمور هي الأسس التي تستند عليها الأمة؟
أفلا يقول العالم كله للناس الذين تدافعون عنهم وتمنعون الاعتراض على إجراءاتهم غير القانونية: “ألستم أنتم من تزعمون بأنكم مسلمون وأنكم على الحق، وكيف تسرقون وترتشون، وتحققون المكاسب غير المشروعة، وتجمعون الثروات بأكل أموال اليتامى. فأنتم تهملون الكتاب، وتتخذون من كلامكم قانونًا، وتؤيِّدون مَن ينتسب إليكم ولو كان ظالما؛ وتحاربون من ليس منكم حتى ولو كان مظلوما، وتحبسونهم وتظلمونهم…”
إذن فأمعنوا النظر في سيرة الذين لا يستمعون لأحد بسبب اغترارهم بالقوة التي يمسكونها، والذين يحاولون إدارة البلاد باستخدام القوة والغلظة والشدة فقط؛ عندئذ سترون الذين يُلحقون الضرر بالأمة في حقيقة الأمر.