إسطنبول (زمان عربي) – عادت أعمال الظلم التي كانت تمارسها الطغمة العسكرية في تركيا على الطالبات المحجبات تحت مسمى« مكافحة الرجعيّة» إبان الانقلاب العسكري في 28 فبراير/ شباط من عام 1997 إلى الواجهة من جديد لكن هذه المرة على يد حزب العدالة والتنمية الذي يزعم بأنه حزب إسلامي محافظ.
فاليوم، استبدل حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان خطر “الرجعيّة” ،الذي كان يتذرع به انقلابيو الأمس لممارسة شتى أنواع الظلم على المسلمين، بخطر “الكيان الموازي” الوهمي المزعوم ليتخذوه غطاءً لإيقاع شتتى صنوف الظلم بالمسلمين المتدينين اليوم، حتى الطلبة في المدارس الابتدائية والثانوية بل الأطفال في دور الحضانة.
كانت “مرحلة 28 فبراير”استمدت اسمها من القرار الصادر عن مجلس القومي الذي عقد في 28 فبراير من عام 1997 واستمر تسع ساعات، حيث بحث ووقّع أعضاء المجلس من العسكريين والمدنيين على خطة أسموها “خطة العمل لمكافحة الرجعية” لتنفيذ عملية لـ” مطاردة الساحرات” تستهدف الشريحة المتدينة من الناس.
ووفقاً لهذه الخطة، راحت الدولة تصنف الفئات المتدينة والجماعات الإسلامية والطرق الدينية على أنها تهديد داخلي لأمن الدولة. وفرضت رقابة صارمة على بيوت الطلبة والأوقاف والمدارس الخاصة التابعة لمراكز تحفيظ القرآن الكريم والطرق والجماعات. كما صُنّف عشرات الآلاف من الأشخاص حسب توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية، ولم يُسمح للمحجبات بدخول الجامعات، ووضعت المدارس التركية التي تمثل تركيا في الخارج في مرمى السهام بحجة أنها تهدد الأمن القومي وتضر بالبلاد.
إضافة إلى ذلك، فإن المجتمع فُرض عليه مراقبة ومتابعة وملاحقة صارمة، خطوة بخطوة، في تلك الفترة. وأخذت الوحدات الخاصة المشكّلة ضمن القوات المسلحة على عاتقها تصنيف فئات مختلفة من المجتمع بدءاً من السياسيين والجمعيات والضباط وانتهاءً بالمعلمين والطلاب ومراكز تعليم القرآن الكريم، بل حتى طال ربّات البيوت أيضاً.
رمز 28 فبراير: الظلم الممارَس على أبواب المدارس
شهدت الطالبات المحجبات ظلمًا بشعًا في تلك الفترة على أيدي أناس لم يكونوا يعتمدون على مرجعيّة دينية. إذ تعرضت مجموعة من الطالبات لم يكن هدفهنّ سوى الحصول على تعليم جيد لشتى أنواع التهميش والشيطنة والإهانة والتصنيف، لدرجة أنه شكّلت “غرف خاصة لإقناع الطالبات” بضرورة خلع حجابهنّ، حتى وصل الأمر إلى منع إضافة صورهنّ بالحجاب إلى وثيقة الدخول لامتحان الجامعة بعد أن حُظر دخولهن الجامعات بحجابهنّ.
وبينما كان الشعب يظن أنه تخلّص، بفضل حكومة حزب العدالة والتنمية، من ممارسات انقلاب 28 فبراير الذي زعم الجنرالات أصحاب الأمر والنهي أنها مرحلة “ستستمر لألف عام”، فوجئ اليوم بمرحلة انقلاب جديد من نوع آخر، وهذه المرة في ظل وصاية مدينة وليست عسكرية.
إن مقاليد الحكم في تركيا انتقلت إلى الذين زعموا أنهم من ضحايا ممارسات فترة انقلاب 28 فبراير. إلا أن حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي دأب على استغلال فترة 28 فبراير كأداة للمظلومية والتظلم والشكوى تمارس اليوم ظلمًا أشد وطأة على الفئات المتدينة الأخرى.
أردوغان قال صراحة سنجري عملية “مطاردة الساحرات”
فعقب تصريحات أردوغان عندما كان رئيسًا للوزراء بأنه “سننفّذ عملية مطاردة الساحرات إن لزم الأمر” بعد فضائح الفساد والرشوة التي تكشفت وقائعها 17 و25 ديسمبر / كانون الأول 2013 وتورط فيها كبار مسؤولي الحكومة وأسرة أردوغان، تعرّض عدد كبير من موظّفي الدولة للاتهام بالانتماء إلى ما أطلقوا عليه “الكيان الموازي” ومن ثم للإبعاد من وظائفهم والتشريد والنفي والطرد.
كما اعتُقل رجال الأمن المشرفين على عمليات الفساد والرشوة بتهمة الانتماء إلى الكيان الموازي؛ إذ بلغ عدد رجال الأمن المشرّدين أو المقالين 60 ألفًا، إلى جانب إضافة مواد خاصة إلى “حزمة الأمن الداخلي” تمهيداً لتصفية مدراء أمن وصل عددهم إلى 3 آلاف و200 مدير أمن رفيع المستوى.
وكذلك وجّهت الحكومة ممارسات القمع والافتراء والإهانة والتصنيف والإقالات نحو الفئات المتدينة والمعارضين لها، وعلى رأسها حركة الخدمة التي تستلهم فكر الأستاذ فتح الله كولن. ويمكن القول بأن نسخة طبق الأصل لممارسات انقلاب 28 فبراير الجائرة عادت إلى المشهد التركي في ثوب جديد في ظلّ حكومة تزعم أنها “محافظة”، وشوهدت تداعياتها المختلفة في كل مجالات الحياة ومناحيها، بدءًا من وسائل الإعلام إلى القضاء، ومن عالم الأعمال إلى المؤسسات المدنية.
تأسيس مكتب خاص لمداهمات المدارس
في الوقت الذ تنهش فيه مخالب الإرهاب كل أطراف الدولة، بدأ صنّاع القرار في الحكومة وأردوغان من ناحية أخرى شنّ أبشع أنواع الظلم والافتراءات على المدارس ومراكز التقوية المعروفة عالميًا بجودة تعليمها، تحت مسمى الرقابة على المؤسسات التعليمية.
وبالغ مستشار وزارة التربية والتعليم يوسف تكين في هذا الأمر لدرجة أنه زعم أن مداهمة المدارس عبر شرطة العمليات الخاصة المسلحة مجرد تفتيش روتيني. وعليه، تعرّضت المدارس ومراكز التقوية ومساكن الطلاب الخاصة في جميع المحافظات للقمع والضغط، وفقًا للتعليمات الخطية المرسلة للمحافظات من قبل وزارة التعليم.
وبمعنى آخر، فإن عملية وضع الطالبات المحجبات في الجامعات إبان فترة 28 فبراير في “غرف الإقناع” لخلع حجابهنّ، بعثت هذه الأيام من مقبرة التاريخ وعادت إلى المسرح التركي”غرف الاستجواب” في المدارس الابتدائية والثانوية في ظل حكم العدالة والتنمية. حيث بادروا إلى استجواب الطلاب حول ما يدور في مدارسهم.
هناك ما مجموعه 44 ألف مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية تابعة للدولة في تركيا، إلا أن مستوى وجودة التعليم في هذه المدارس أقل كثيراً من ذلك الموجود في الدول المتقدمة؛ إذ تعاني الصفوف المتكدسة بالطلاب من التحصيل التعليمي بين الجدران المتهدّمة.
وبدلا عن حل المشكلات الموجودة في المنظومة التعليمية المطبقة في مدارس الدولة، شرعت حكومة العدالة والتنمية في ممارسة أعمال مناهضة للديمقراطية، مثل إغلاق مراكز دروس التقوية الخاصة التي يدرس بها الطلاب الفقراء، وتشميعِ أبواب مراكز الدراسات وقاعات القراءة الخاصة، وظلم عشرات الآلاف من الطلاب وأولياء أمورهم عن طريق التمييز في الحصول على حزافز تشجيعية تعليمية رسمية، وتأسيسِ غرف الإقناع بالمدارس الابتدائية ومصادرة أراضي المدارس والجامعات.
مدارس الخدمة تتعرض اليوم لما تعرّضت له مدارس الأئمة والخطباء زمن الانقلاب
أُطلقت حملات إقصاء المدراء والمعلمين الذين لم ترغب فيهم الحكومة عن طريق وضع شرط “المقابلة الشخصية” من أجل مزاولة مهنة التدريس، وتغييرِ بيروقراطية التعليم بالكامل عبر النقابات التعليمية المقربة من الحكومة. حيث قدّمت الحكومة لمدراء وأعضاء تلك النقابات وظائف شاغرة من 16 ألف مدير مدرسة عقب إقالتهم وفصلهم من عملهم تعسفياً.
كما أن مناشدة الرئيس أردوغان الشعب بقوله “حذار أن تذهبوا إلى المدارس والمراكز التعليمية التابعة للكيان الموازي”، أعاد إلى الأذهان أعمال الظلم الممارسة على مدارس الأئمة والخطباء الثانوية إبان فترة 28 فبراير. إلى جانب أنه طالب بإغلاق المدارس التركية التابعة لحركة الخدمة في أكثر من 160 دولة حول العالم المشهود لها بالكفاءة والجودة التعليمية.
والأدهى من ذلك أن شرطة العمليات الخاصة داهمت دور الحضانة التي يتعلم فيها الأطفال الصغار بأسلحة رشاشات بحجة تفتيشها والرقابة عليها، لمجرد أنها تابعة لحركة الخدمة. لدرجة أن السلطات أخذت من جديد تقيس مساحات نوافذ الصفوف والطاولات واللوحات واللافتات. ولم تكتفِ بذلك، بل أقدمت على قياس حجم أحجار تلك المدارس التي حققت نجاحات في جميع أنحاء العالم.
كل ذلك حدث في ظلّ حكومة تدعي أنها إسلامية أو محافظة على الأقلّ. فالجميع يشهد أن تركيا عادت إلى أيام فترة انقلاب 28 فبراير مجدداً بفضل مسؤولي حكومة العدالة والتنمية والرئيس أردوغان ورجاله.