(لإضافة تفاصيل)
من مارتون دوناي
بيشكه (المجر) 3 سبتمبر أيلول (رويترز) – أوقفت الشرطة المجرية
اليوم الخميس قطارا مكتظا بالمهاجرين المتجهين إلى الحدود
النمساوية وحاولوا إجبارهم على النزول منه في بلدة تضم مخيم احتجاز
في مواجهة باتت محور أزمة المهاجرين في أوروبا.
وبعد منعهم من دخول محطة القطارات الرئيسية في العاصمة بودابست
ليومين سمحت السلطات للمهاجرين المرهقين بركوب قطار توجه بهم غربا.
وحشر المئات أنفسهم على متن القطار وتمسكوا بالأبواب وحشروا
أولادهم عبر نوافذ العربات المفتوحة.
لكن عوضا عن المضي قدما إلى الحدود النمساوية أوقفت الشرطة
القطار غربي بودابست عند بلدة بيشكه حيث تقيم الحكومة المجرية
مخيما لاستقبال المهاجرين. وأمرت الشرطة المهاجرين بالنزول.
وتمكنت الشرطة من إخلاء عربة واحدة في حين وقفت العربات الخمس
الأخرى في المحطة وسط الحر الشديد. وخوفا من الاعتقال طرق بعض
المهاجرين على النوافذ وهم يهتفون “لا نريد مخيما.. لا نريد
مخيما.”
ودفعت مجموعة منهم عشرات من عناصر شرطة مكافحة الشغب كانوا
يقفون عند بئر السلالم ويحرسون مدخل نفق في محاولة لركوب القطار من
جديد. وتمكنت عائلة واحدة -وهم رجل وزوجته ورضيعهما- من المشي
بمحاذاة القطار قبل أن يستلقوا على السكة الحديد احتجاجا. وتصارع
اكثر من 12 شرطيا من قوة مكافحة الشغب مع الرجل قبل أن يرفعوه
وزوجته عن الأرض.
ومات آلاف الأشخاص بحرا وهلك الكثيرون في رحلات برية في أسوأ
أزمة هجرة تواجهها أوروبا منذ الحروب اليوغوسلافية في التسعينيات
من القرن الماضي.
وهزت صور طفل سوري غارق (3 أعوام) مستلق على بطنه وسط زبد
الأمواج على احد الشواطئ التركية الرأي العام في أوروبا بعد أن
احتلت الصفحات الأولى للصحف في أنحاء القارة يوم الخميس.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في تغريدة على تويتر عن
الصبي الذي كان أحد 12 شخصا على الأقل غرقوا من أصل 23 كانوا
يحاولون الوصول إلى جزيرة يونانية “كان لديه اسم: أيلان كردي.
الحاجة ملحة لاتخاذ إجراء. والتحرك على مستوى أوروبا بات أمرا
ملحا.”
وضغط تدفق اللاجئين على نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي إلى
حد الانهيار وأدى إلى خلافات بين أعضائه وغذى صعود نجم اليمينيين
أنصار السياسات الشعبية.
واتخذت الدول الأوروبية الكبرى مواقف متناقضة إلى حد كبير من
مسألة هل يتعين عليها أن تلاقي الوافدين بالترحاب. وتخطط ألمانيا
لاستقبال 800 ألف لاجئ هذا العام ووضعت بريطانيا برنامجا للسماح
للاجئين السوريين المعرضين للخطر فقط بالدخول إليها والذي وافق على
استقبال 216 شخصا فقط.
واتهم الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند بعض البلدان الأوروبية
بالتقاعس عن “تحمل مسؤولياتها الأخلاقية” وقال إنه اتفق مع
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على “آلية دائمة وإلزامية”
لتوزيع اللاجئين بين بلدان الاتحاد الأوروبي.
وأضاف قوله “اعتقد ان النظام الموجود اليوم لم يعد مناسبا. ومن
ثم سيتعين علينا أن نقطع شوطا آخر.”
وبرزت ميركل كزعيمة في هذا المجال واعتبرت أن توفير الملجأ
لمن يهربون من الاضطهاد والحرب هو واجب جوهري.
وقالت ميركل أثناء زيارة إلى سويسرا اليوم الخميس إن عبء
استقبال مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الصراعات في سوريا
وأماكن اخرى يجب أن يوزع بشكل أكثر عدلا في أوروبا.
وأضافت ميركل في مؤتمر صحفي في برن “الحكومة الألمانية تقول إن
نهج دبلن لم يعد فعالا لأن عددا كبيرا من اللاجئين يصلون إلى
حدودنا الخارجية ولا يمكننا ترك اليونان وحدها أو ايطاليا بمفردها
كي تواجه هذه المهمة.”
وأضافت ميركل أن على أوروبا حل أزمة اللاجئين بروح “العدالة
والتضامن” مشيرة إلى استعداد ألمانيا لتحمل مسئولياتها في ضوء
قوتها الاقتصادية. وقالت إن القيم المسيحية تنص على حق كل من
يواجهون الخطر في الحصول على الحماية.
وقالت إن ألمانيا مستعدة لقبول حصة من اللاجئين أكبر من
جيرانها بالنسبة لعدد السكان لكنه يجب على الدول الأخرى أن تضطلع
بنصيبها “من الحصص والقواعد التي تكون عادلة وتأخذ في الحسبان ما
هو ممكن في كل بلد.”
وأقرت أيضا بان القوانين التي تقضي بأن يطلب اللاجئون اللجوء
في أول بلد في الاتحاد الأوروبي يصلون إليه “لم تعد صالحة”.
وبدأت ألمانيا باستقبال طلبات اللجوء من اللاجئين السوريين بغض
النظر عن المكان الذي دخلوا فيه الى الاتحاد الأوروبي. ووصل أكثر
من 100 ألف لاجئ في الشهر الماضي وحده إلى المانيا.
وقال أندريا نالز وزير العمل والشؤون الاجتماعية الألماني في
إفادة صحفية قبيل اجتماع في تركيا لمجموعة العشرين “كوننا من أغنى
بلدان العالم ونملك بنية تحتية جيدة و(نتمتع) بحال من الرفاة قابلة
للنمو وفائض متين في الموازنة فنحن في وضع يتيج لنا أن نكون على
قدر المسؤولية.”
وفي المقابل قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يوم
الأربعاء إن المشكلة لن تحل اذا استقبلت بريطانيا المزيد من
اللاجئين.
*نقطة مواجهة
وغادر القطار بودابست بعد مواجهة استمرت يومين مع الشرطة التي
منعت دخول أكثر من ألفي مهاجر إلى المحطة. ويوم الخميس تنحت الشرطة
وسمحت للحشود بالمرور لكن البعض منهم أحجموا عن الصعود الى القطار
وسط انعدام اليقين في الوجهة التي سيتخذها.
وقالت يسرا مارديني (17 عاما) من العاصمة السورية دمشق وهي
ترتدي سروالا من الجينز وقميصا قطنيا “نريد أن نتوجه الى ألمانيا
لكن ربما ذلك القطار في المحطة لن يتوجه إلى أي مكان سمعنا أنه
يتوجه الى مخيم ولهذا سنبقى هنا وننتظر.”
وتعتبر الحكومة اليمينية في المجر من بين الأكثر معارضة لتشجيع
الهجرة الجماعية وهي تقول إن المسؤولين الأوروبيين جعلوا المسألة
اسوأ بفشلهم في فرض الأنظمة.
وقال فيكتور أوبان رئيس الوزراء المجري الموجود في بروكسل
لاجراء محادثات مع غيره من قادة الاتحاد الأوروبي إن الأوروبيين
“يسكنهم الخوف لأنهم يرون القادة الأوروبيين.. غير قادرين على
السيطرة على الوضع.”
وأضاف في مقال بصحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج الألمانية
إن المهاجرين “اجتاحوا” بلاده مشيرا إلى أن معظمهم ليسوا مسيحيين
بل مسلمين.
واضاف “هذا سؤال مهم لأن أوروبا والثقافة الأوروبية لها جذور
مسيحية.”
ومن المحتمل أن تؤدي صورة الطفل الغارق على الشاطئ التركي إلى
تحويل قناعة الرأي العام في القارة الأوروبية بعد أيام من العثور
على 71 جثة في صندوق شاحنة متجهة إلى النمسا.
وحتى صحيفة “صن” اليمينية الشعبية البريطانية التي تلقت
انتقادات من الأمم المتحدة جراء نشرها مقالا في أبريل نيسان وصفت
فيه المهاجرين بأنهم “صراصير” طلبت من رئيس الوزراء اتخاذ إجراءات
بعد أن رفض قبول حصة من اللاجئين يفرضها الاتحاد الأوروبي.
وكتبت الصحيفة على صفحتها الأولى فوق صورة الطفل الغارق وهو
ينقل بعيدا عن الشاطئ مرتديا قميصا قطنيا أحمر وسروالا أزرق قصيرا
وحذاء رياضيا صغيرا “سيد كاميرون انتهى الصيف.. يتعين عليك حاليا
التعامل مع أكبر أزمة تواجهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.”
*زوجتي وطفلاي توفيا
وقال أقارب الطفل إن العائلة كانت تحاول الوصول إلى كندا عبر
أوروبا عندما انطلقت من تركيا إلى جزيرة كوس اليونانية. وتوفي
شقيقه غالب (5 سنوات) ووالدته ريحان (35 عاما) في حين نقل والده
عبد الله إلى المستشفى بعد أن عثر عليه شبه فاقد للوعي.
وتعرف والد الطفلين السوريين اللذين غرقا مع والدتهما وعدد آخر
من المهاجرين أثناء محاولتهم الوصول لليونان على جثثهم اليوم
الخميس وهو في حالة من الذهول واستعد ليحمل الجثث عائدا إلى مسقط
رأسه في مدينة كوباني.
وانخرط عبد الله كردي في البكاء بعد أن خرج من المشرحة في
مدينة موغلا قرب بوضروم حيث جرفت الأمواج جثة طفله أيلان البالغ من
العمر ثلاثة أعوام يوم الأربعاء.
وهيمنت صورة جثة الطفل الغريق على الصحف ووسائل التواصل
الاجتماعي يوم الأربعاء وأثارت مشاعر التعاطف والغضب من تقاعس
الدول المتقدمة عن مساعدة اللاجئين.
وقال عبد الله للصحفيين “الأشياء التي حدثت لنا هنا في البلد
الذي لجأنا إليه هربا من الحرب في بلدنا. نريد من العالم كله أن
يرى ذلك.”
وتابع قوله “نريد أن ينتبه العالم لنا حتى يستطيع أن يحول دون
أن يلقى آخرون المصير ذاته. فلتكن هذه (الواقعة) هي الأخيرة.”
ويتوقع أن يكشف رئيس المفوضية الأوروبي جان كلود يونكر عن
اقتراحات بهذا الشأن في كلمة حالة الاتحاد السنوية أمام البرلمان
الأوروبي في الأسبوع المقبل وبعد ذلك بخمسة أيام يعقد اجتماع طارئ
لوزراء داخلية الاتحاد.
(إعداد محمد عبد العال للنشرة العربية – تحرير أحمد حسن)