من ستيفن كالين
دمياط (مصر) 3 سبتمبر أيلول (رويترز) – ألقت السلطات القبض على
النائب البرلماني الإخواني محمد الفلاحجي بتهمة الارهاب عام 2013
واحتجز في السجن. لكن لم تصدر أي محكمة حكما عليه. ويقول ابنه
أسامة إن والده “مات والكلابش (الاصفاد) في ايده” على سرير بمستشفى
في وقت سابق من العام الجاري بعد أن ظل يطلب مساعدة طبية.
وتعتقد أسرة الفلاحجي أن وفاته متعمدة وأنها وسيلة تتعامل بها
الدولة مع سجين أرادت التخلص منه.
وتقول جماعات حقوقية مصرية ودولية من بينها منظمة العفو
الدولية وهيومن رايتس ووتش إن حالات مثل حالة الفلاحجي ترقى إلى
انتهاكات قليلا ما تحظى بالاهتمام في عهد الرئيس عبد الفتاح
السيسي. وسجلت هذه المنظمات أكثر من 100 حالة لما تقول إنها وفيات
“بالاهمال” في السجون خلال العامين الأخيرين.
وتقول هيومن رايتس ووتش إن مصر ملزمة بموجب القانون الدولي
بتوفير رعاية صحية للمحتجزين تماثل الرعاية المتاحة للمواطنين
العاديين. كذلك فإن الدستور المصري ينص على أن معاملة السجناء يحظر
فيها “كل ما ينافي كرامة الانسان أو يعرض صحته للخطر.”
ورغم ذلك قالت المنظمة الحقوقية في تعليقات بالبريد الالكتروني
إن “سلطات السجون ترفض بصفة روتينية تقديم الرعاية التي قد تنقذ
حياة للمحتجزين ويبدو أنها لا تشعر بضغط يذكر أو بأي ضغط على
الاطلاق أو إشراف من المسؤولين الأعلى في وزارة الداخلية أو إدارة
السيسي.”
وخلال الشهور الثلاثة الأخيرة تحدثت رويترز مع أسر ومحامين
لخمسة سجناء قالوا إنهم شهدوا نمطا من الاهمال للمحتجزين
السياسيين. ويتضمن هذا التقرير ثلاثة من رواياتهم مدعومة بالوثائق.
ولم تتم مساءلة أي مسؤول في وفاة الفلاحجي أو أي من حالات
“الوفاة بالاهمال” الأخرى. وقال خالد نجيب مدير مستشفى الأزهر حيث
توفي الفلاحجي إنه تلقى العلاج المناسب.
وامتنع متحدثون باسم السيسي ورئيس الوزراء المصري عن التعقيب
وأحالوا رويترز إلى وزارة الداخلية التي لم ترد على طلب تفصيلي.
ورفض مصدر بوزارة الداخلية طلب عدم الكشف عن هويته هذه
الاتهامات. وقال إن السجون المصرية “بها رعاية طبية ومستشفيات جيدة
جدا. وبها أطباء على مستوى عال من الكفاءة وبمجرد دخول أي سجين إلى
السجن يجرى له فحوصات طبية لبيان حالته الصحية وإذا اتضح أنه يعاني
من أي مرض يتم عمل متابعة له وإذا استلزم الأمر يتم ايداعه مستشفى
السجن.”
وقال المصدر إن النائب العام هو الذي يقرر متى ينقل السجناء.
وقال مصدر قضائي في مكتب النائب العام طلب أيضا عدم نشر اسمه معلقا
على طلبات السجناء للعلاج في مستشفيات خارجية “حين يعرض علينا طلب
من دفاع أي متهم لنقله إلى مستشفى خارجي لتلقي العلاج يتم دراسة
الطلب وأخذه على محمل الجد.”
وإذا أظهرت التقارير الطبية أن المريض شفي فإنه ينقل مرة أخرى
إلى زنزانته وتتم متابعة حالته.
وتأتي هذه الاتهامات في وقت يكافح فيه السيسي لتحقيق استتباب
الأمن. فقد أطاح قائد الجيش السابق بمحمد مرسي أول رئيس ينتخب في
انتخابات حرة في مصر عام 2013 في أعقاب احتجاجات شعبية ضخمة على
حكم مرسي. وأعلنت مصر جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها
مرسي جماعة ارهابية. وتنفي الجماعة أنها إرهابية. ولقي مئات من
أنصار الإخوان حتفهم وألقي القبض على الآلاف غيرهم. وصدرت على
قيادات الجماعة بمن فيهم مرسي أحكام بالاعدام.
وقد قال السيسي إن القبضة الأمنية ستصاحبها حملة لتجديد الخطاب
الديني تدعو للتسامح. ومع ذلك فقد تركز جانب كبير من جهود الدولة
على سحق خصومها. وفي الشهر الماضي اعتمد السيسي قانونا جديدا
لمكافحة الإرهاب يقضي بتشكيل محاكم خاصة ويحمي قوات الأمن من أي
تبعات قانونية لاستخدام القوة.
وتقول أسر سجناء ونشطاء حقوقيون ومسؤولو جماعة الإخوان
المسلمين إن جانبا من الحملة الأمنية يحدث في السجون التي تقول بعض
التقديرات إن بها ما يصل إلى 40 ألف معتقل سياسي وتزداد ازدحاما
يوما بعد يوم. ويقول هؤلاء إن سلطات السجون ترفض في العادة نقل
السجناء المرضى للمستشفيات وترفض ارسال أطباء للكشف على الحالات
الحرجة وتضغط على الأطباء لكتابة تقارير طبية توحي بأن السجناء في
حالة صحية أفضل من حالتهم الحقيقية.
وقال متحدث باسم جماعة الإخوان إن المسؤولية عن حالات الوفاة
تقع على عاتق السيسي ورئيس الوزراء ووزير الداخلية إلى جانب سلطات
السجون.
* حالة حصوات الكلى
في بيت متواضع في مدينة دمياط المطلة على البحر المتوسط جلست
أسرة الفلاحجي تحت لوحة بها آية قرآنية وراح أفرادها يتذكرون كيف
قبض رجال أمن يرتدون ملابس مدنية على رب الأسرة من خارج مكتبه
ونقلوه إلى قسم الشرطة المحلي.
ونقل الفلاحجي إلى معسكر للأمن المركزي. وكان ذلك بعد بضعة
أسابيع من عزل مرسي. وقالت أم عمار زوجة الفلاحجي وهي سيدة متدينة
لا تكشف ملابسها سوى عن عينيها ويديها وقدميها إن زوجها احتجز في
حبس انفرادي للاشتباه في تكوين جماعة ارهابية. وأضافت أن هذه
الاتهامات أسقطت عنه فيما بعد ووجهت له اتهامات جديدة. وفي العاشر
من يناير كانون الثاني عام 2014 نقل الفلاحجي الموظف السابق في
وزارة التربية والتعليم إلى سجن جمصة شديد الحراسة الواقع غربي
دمياط.
وتقول أم عمار إن الفلاحجي كان مصابا بمرض السكري وبالتليف
الكبدي قبل اعتقاله. وعندما بدأت تزوره قال لها إن 20 نزيلا في
السجن يعيشون فقط على وجبات من الطعام لا تكفي سوى فردين. ولم ترد
وزارة الداخلية على طلبات للتعليق على هذا الاتهام.
وفي أواخر عام 2014 بدأ الفلاحجي يعاني من مشاكل في التبول.
وأظهر تحليل لعينات من الدم والبول تم تهريبها من السجن في ذلك
الوقت ارتفاعا كبيرا في مستوى حمض البوليك الذي يمكن أن يؤدي إلى
تكوين حصوات في الكلى. وفي الشهور التالية تدهورت حالته الصحية.
وتقول زوجته أنه فقد بعض وزنه وبدا عليه الإصابة بالصفراء وشكا من
آلام حادة في البطن. وقالت إنه نقل إلى المستشفى خمس مرات بين مارس
آذار ومايو أيار الماضيين لكنه لم يتلق العلاج المناسب قط رغم
نصيحة الأطباء. وتوضح تقارير طبية من تلك الفترة اطلعت عليها
رويترز تدهور وظائف الكلى والكبد عند الفلاحجي.
وقالت أم عمار إن أطباء محتجزون مع الفلاحجي طالبوا مسؤولي
السجن مرارا بنقله إلى المستشفى. وفي التاسع من مارس اذار الماضي
نقله المسؤولون إلى مستشفى تخصصي في دمياط. وخلال ساعات نقل إلى
مركز للشرطة حيث تقول زوجته إنها زارته وذلك قبل أن يعاد مرة أخرى
للسجن بعد أربعة أيام. وتدهورت صحته وفي الثامن من ابريل نيسان نقل
إلى المستشفى التخصصي لإجراء فحص بالأشعة. وتقول أم عمار إنه أعيد
للحبس مرة أخرى بعد 30 دقيقة بعد أن قيل له إنه مصاب بحصوات في
الكلية اليسرى والتهاب في الكلية اليمنى.
وعرضت أم عمار على صحفي تقرير تحليل دم بتاريخ السابع من مايو
أيار يظهر ارتفاع نسب الانزيمات والبيليروبين لثمانية أمثال
المعدلات العادية. واستشارت رويترز اثنين من المتخصصين الطبيين
فقالوا إن هذا المستوى غير عادي ويعكس ضعف وظيفة الكبد.
لكن أم عمار قالت إنه عندما نقل الفلاحجي بعد ثمانية أيام
للمستشفى كتب الأطباء تقريرا يشير إلى أن حالته مستقرة. وخلال
زيارة أخرى في 19 مايو أيار أوصى الأطباء بنقله للمستشفى لكنها
قالت إن ضباط الأمن أعادوه للسجن. ولم تستطع رويترز التحقق من صحة
هذه الاتهامات.
وقالت أم عمار “يقول وهو بيحكي لي أنا لم أستطع أرفع يدا ولا
رجلا.”
وفي 20 مايو أيار قالت الزوجة إن زوجها اتصل بها من مستشفى
الأزهر في دمياط وهناك قال له ضابط الأمن إن المستشفى رفض قبوله.
وأضافت أن الفحوص أظهرت أنه يعاني من فشل كبدي وكلوي و”أتت طبيبة
وطالبت بحجزه. وحجز زوجي داخل المستشفى لينقذ فيها (للعلاج) أربعة
أيام ويموت في اليوم الخامس.”
ولو عاش الفلاحجي لأتم عامه التاسع والخمسين في أغسطس اب.
وقال خالد نجيب مدير المستشفى الذي توفي فيه الفلاحجي إن
العلاج الوحيد الذي كان يمكن للمستشفى أن تقدمه له هو زراعة كلية
موضحا أن مستشفاه ليس مجهزا لمثل ذلك وأن هذا الأمر سينطوي على
قائمة انتظار طويلة.
* “دلو من الدماء”
والفلاحجي ليس الوحيد من أنصار الإخوان الذي تقول أسرته
وزملاؤه إنه مات من الإهمال.
فقد حكم على طارق الغندور وهو طبيب معروف ومن أنصار مرسي
بالسجن خمس سنوات في عام 2014 لمشاركته في احتجاج دون إذن من
السلطات وهي تهمة نفاها. وقدمت زوجته إيمان أستاذ المناعة إلتماسا
للإفراج الصحي عنه. وعرضت على رويترز طلبات كتبتها للسيسي والنائب
العام ومسؤولين كبار توضح فيها أن زوجها البالغ من العمر 52 عاما
يحتاج رعاية لإصابته بعدة أمراض.
وقالت إيمان إنه في نوفمبر تشرين الثاني 2014 نقل الغندور إلى
سجن شبين الكوم لاجراء فحوص في معهد الكبد القومي وإنها كانت تأمل
أن تؤدي الفحوص إلى الافراج الصحي عنه.
وأجرى الأطباء هناك جراحة للغندور بسبب تضخم المريء حسبما قالت
زوجته. لكنها أضافت أنه بدلا من البقاء في المستشفى للنقاهة أعيد
الغندور مباشرة إلى السجن. وقالت ايمان إنه بدأ بعد أيام يتقيأ دما
عندما انفتحت إحدى الغرز لكنه اضطر للانتظار ما يقرب من ست ساعات –
في السجن في البداية ثم في مستشفى جامعي – قبل أن يفحصه طبيب.
ويتذكر ابنه زياد أنه قال “نزفت دلوا من الدماء”.
وقالت ايمان إن الغندور نزف حتى الموت في أعقاب عملية أخرى
بمعهد الكبد في اليوم التالي وأضافت أن العملية أجريت له على عجل.
وأضافت
“المفروض إن حالة زي كده تتنقل على المستشفى على طول… لما تسيبه
ثلاث ساعات في السجن وثلاث ساعات في المستشفى الجامعي… فلازم
يموت. هم موتوه.”
ولم ترد وزارة الداخلية على طلب للتعقيب على هذه الحالة. وقال
أحمد الشعراوي مدير معهد الكبد إن الغندور تلقى أفضل رعاية ممكنة
ورفض الادعاءات بأن جهاز الأمن أخر العلاج أو قيده.
وأكد أن الغندور توفي في المعهد بعد أن نزف ثمانية أكياس من
الدم. لكنه أضاف أن أطباء المعهد لم يجروا جراحة للغندور في المريء
قبل أيام من وفاته. وقال إن النزيف الشديد نتج في الأساس عن تأخر
حالة الكبد.
وقال معوض الخولي رئيس جامعة المنوفية التي دخل الغندور
مستشفاها إنه كان يعاني من مشاكل صحية متراكمة ووصل المستشفى في
حالة حرجة لكنه تلقى العلاج السليم.
وأضاف “أهل المريض ممكن يبقى ليهم رأي مختلف… لكن الطبيب
المختص هو الجهة الفنية اللي تقرر يتعمل له ايه وامتى.”
وقال محمد المسيري الباحث المختص بشؤون مصر في منظمة العفو
الدولية إن المنظمة على علم بما لا يقل عن 124 حالة وفاة في الحبس
منذ بداية 2014 أغلبها بسبب “سوء أوضاع الاحتجاز” مثل ازدحام
الزنازين أو عدم نقل مرضى للمستشفى أو حرمان مرضى من العلاج من
أمراض مزمنة.
وقال المصدر في مكتب المدعي العام إن اتهامات منظمة العفو لا
أساس لها. واضاف أن مكتب المدعي العام يجري تفتيشا مفاجئا للسجون
ومراكز الشرطة للكشف عما إذا كانت الزنازين مكدسة أو سوء المعاملة.
* إلى السجن مرة أخرى
في مدينة الاسماعيلية الواقعة على قناة السويس كان محمود عبد
الهادي موظفا كبيرا بشركة الكهرباء التابعة للدولة. ويقول أقاربه
إن الشرطة داهمت منزله في الساعة الثالثة صباحا يوم 12 أكتوبر
تشرين الأول عام 2013. واتهمت الشرطة عبد الهادي البالغ من العمر
58 عاما بتوزيع منشورات مؤيدة للإسلاميين في أعقاب الإطاحة بمرسي
وهو اتهام نفته أسرته.
ويقول ابنه عمرو وابنته أسماء إن عبد الهادي نقل إلى سجن
المستقبل في المدينة دون أي إجراءات قانونية مثل التسجيل في قسم
الشرطة. وشعرت الأسرة بالقلق بسبب قلبه الضعيف ولأنه أجريت له
جراحة قلب مفتوح مرتين. وشارك عبد الهادي نحو 50 شخصا آخر زنزانة
واحدة وكان بعض النزلاء يدخنون وكان هو ينام على الأرض.
وبعد أسبوع فحصه طبيب في السجن. ثم نقل بعد ذلك بعشرة أيام إلى
المستشفى العام في الاسماعيلية وفحصه طبيب أرسله إلى قسم العناية
المركزة.
وقالت أسماء “التقارير دي للأسف فقدناها. يعني كنا نعرفها من
الدكاترة بس ومن المستشفى لكن ما كانش حد بيرضى خالص يدينا حتى
صورة ولا احنا نقدر نصورها بالموبايل أو كده. كانوا بيرفضوا خالص.”
وامتنع مسؤول كبير في مستشفى الاسماعيلية ومسؤول محلي بوزارة
الصحة عن التعقيب.
وعرضت أسماء وعمرو على رويترز طلبات للافراج الصحي أرسلتها
الأسرة إلى السلطات القضائية والأمنية بما في ذلك وزير الداخلية ست
مرات على الأقل بين أكتوبر تشرين الأول عام 2013 ومارس اذار 2014.
وقالا إنهما لم يتلقيا أي رد.
وفي 19 نوفمبر تشرين الثاني عام 2013 أصيب عبد الهادي حسبما
يروي الاثنان بأزمة قلبية في قسم العناية المركزة ودخل في غيبوبة
ثم أصيب بأزمة قلبية ثانية في اليوم نفسه. وقالت أسرته إن فحصا
بالأشعة السينية أظهر في 15 ديسمبر كانون الاول وجود مياه على
رئتيه وأعيد إلى السجن.
وفي فبراير شباط أصيب عبد الهادي بحمى. وقالت أسماء إن والدها
أخبرها في زيارتها الأخيرة للسجن في مارس اذار أن زملاءه من
المسجونين طالبوا السلطات بإحضار طبيب لعلاجه في الليلة السابقة.
وأضافت أن حرس السجن دفعوا ممرضة لكتابة تقرير يقول إنه في صحة
جيدة. ولم تستطع رويترز التحقق من مصدر مستقل من صحة هذه الرواية
للأحداث.
ولم ترد وزارة الداخلية على طلب للتعليق.
ولم يعلق المصدر بمكتب النائب العام على حالة عبد الهادي لكنه
قال إنه عندما يقدم طلب للعلاج الطبي فإن النائب يأمر بإجراء فحص
للمريض “وإن تطلب الأمر يتم نقله إلى مستشفى خارجي بالتنسيق مع
قطاع مصلحة السجون”.
وقال نزلاء آخرون في الزنزانة لأسماء إن والدها فقد وعيه بعد
لحظات من خروجها وتم ارساله إلى المستشفى. وعلمت صباح اليوم التالي
بوفاته.
وقالت “صممت إن أنا أروح أشوف والدي. والدي كان خلاص دخل
الثلاجة.”
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية – شارك في التغطية مصطفى هاشم
واحمد محمد حسن وهيثم احمد – تحرير ملاك فاروق ودينا عادل)