يوسف كلش
لطالما كتبنا أن عبء الضرائب في تركيا ثقيل جدا حيث تُجمع فيها الضرائب بمستوى الدول المتقدمة ماليا.
وكنا قد أوضحنا أن الغالبية الساحقة من الضرائب هي ضرائب غير مباشرة منذ سنوات عدة وأن نسبتها تُقدر بنحو 70%.
وتساءلتُ كثيرا عن كمية الضرائب التي جُمعت في عهد حزب العدالة والتنمية. ثم خطر ببالي أن أقارن هذه الضرائب التي جمعت خلال 12 عاما بالضرائب التي جُمعت من المواطنين منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 حتى سنة 2002 التي وصل العدالة والتنمية إلى الحكم. وعليَّ أن أعترف أولاً بأنني كنت أتوقع أن تكون الضرائب التي جُمعت فيما بين 1923-2002 خلال 80 سنة مساوية للضرائب التي جُمعت خلال 2003-2014 خلال 12 سنة من عهد حكومة العدالة والتنمية. بيد أن النتيجة التي توصلت إليها أذهلتني أنا أيضًا.
1- إن إحصائيات 1923 تُظهر لنا أرقاما متواضعة للدولة التي وُلدت حديثا بعد حرب التحرير. حيث كان الناتج المحلي الإجمالي للدولة نصف مليار دولار، بينما كانت موارد الدولة العامة نحو 50 مليون دولار.
2- وقد كانت الأرقام لافتة للنظر في عهد حكومة العدل الذي استمر 10 سنوات بقيادة رئيس الوزراء عدنان مندريس. حيث ازدادت القوة الاقتصادية بـ 5 أضعاف، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي 3 مليارات دولار ليصل إلى 16 مليار دولار. أما الضرائب المفروضة على المواطنين فقد تراجعت بدل أن تزداد. فقد كانت نسبة الناتج المحلي الإجمالي للضرائب التي جمعتها الدولة في 1949 بمقدار 17.95%، إلا أن هذه النسبة تراجعت إلى 14.54% في 1959. وبذلك استفاد المواطن من النمو الاقتصادي، وتخلص من أداء المزيد من الضرائب في الوقت نفسه.
3- تضاعف النمو الاقتصادي ضعفين ونصف الضعف، حيث ارتفع من 60 مليار دولار إلى 149 مليار دولار خلال 7 سنوات من عهد حزب الوطن الأم الذي أسسه تورجوت أوزال، وهو يُعتبر أول رئيس مدني ومتدين وديمقراطي. وكانت الضرائب التي تُجمع من المواطنين أي الناتج المحلي الإجمالي من دخل الميزانية قد تضاعفت بضعفين ونصف الضعف، ولكن رغم ذلك فقد تراجعت نسبة الضرائب من 13% إلى 12%. أي إن الاقتصاد نما ولكن نسبة الضرائب التي دفعها المواطنون لم تزدد.
4- أما خلال 12 سنة من حكم العدالة والتنمية فقد تصاعد حجم الناتج الإجمالي المحلي من 230 مليار دولار إلى 800 مليار دولار ليتضاعف نسبة 3.4 أضعاف أما الضرائب التي حصَّلتها الدولة فقد تضاعفت أكثر من تضاعف النمو الاقتصادي حيث ازدادت نسبة 4.3 ضعفا، لتصل من 45 مليار دولار إلى 199 مليار دولار. كما أن الضرائب التي فُرضت مؤقتا بعد زلزال 1999 وأزمة 2001 لم تُلغ بل ازدادت دون أن تعود إلى مستواها السابق، ولذلك فقد تضاعفت الضرائب المفروضة على المواطن بعشرة أضعاف مقارنة بالمراحل السابقة. أي إن الضرائب المفروضة على المواطنين انخفضت في عهد عدنان مندريس من 17% إلى 14%، وفي عهد أوزال من 13% إلى 12%، ولكنها في عهد أردوغان ارتفعت من 19% إلى 24% وقد استمرت في ارتفاعها دون تراجع مع الأسف.
5- أما ما فاجأني فهو أن الضرائب التي جُمعت في عهد أردوغان خلال 12 سنة تفوق الضرائب التي جمعت طوال 80 سنة من 1923-2002 بأكثر من 3 أضعاف. إذ إن جميع الحكومات جمعت 572 مليار دولار من الضرائب طوال 80 سنة، في حين أن العدالة والتنمية جمع تريليون و820 مليار دولار خلال 12 سنة فقط. وإذ ما أضفنا إلى ذلك اشتراكات الضمان الاجتماعي لفاقت هذه الضرائب ملياري دولار.
حيث جُمعت من المواطنين وصُرفت. علما بأن الديون التي تم سدادها لصندوق النقد الدولي لا تتعدى 25 مليار دولار، وهذا المبلغ يكاد لا يُذكر مقارنة بالضرائب التي جُمعت من المواطنين. وكان من الممكن أن يصرف جزء من هذه الضرائب في إنشاء الطرق السريعة في كل أنحاء البلد بدلا عن الطرق المزدوجة التي تصدعت في مدة قصيرة وانتشرت فيها حفرٌ مثل التي يسكنها الخلد. ويبدو أن سبب تقليص صلاحيات ديوان المحاسبة الذي يُعتبر المرجع المعتمد في تدقيق جمع الضرائب وصرفها باسم البرلمان، ومنعه من أداء مهامه، هو الرغبة في التهرب من التحقيق في صرف أموال الضرائب الضخمة، والتدقيق والشفافية.