عبد الحميد بيليجي
ألا يرى العالم أن تركيا تتراجع بسرعة كبيرة في كل المجالات، بدءًا من الاقتصاد وانتهاءً بالديمقراطية؟ لكن إذا نظرنا إلى الإعلام الموالي للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، سنجد أن كل شيء على ما يرام. بل سنجد أن العالم يغار من تركيا ويحسدها بسبب نجاحاتها العظيمة. فالمقالات الانتقادية لا تَظهر إلا في وسائل الإعلام الغربية. ولا ينبغي أن نكترث بالغربيين؛ لأنهم أعداء بالنسبة لتركيا. أما فيما عدا الغربيين، فإن العالم كله ولا سيما المسلمين يرون أردوغان زعيماً عالمياً.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]ازدادت حدة الانتقادات الموجهة للعدالة والتنمية عندما استهدف الصحفيين المنتقدين بدلا عن تصحيح الأخطاء موضع النقد. وفوق ذلك بدأ أردوغان يخاطب المحافظين الذين ينظرون بعين الريبة إلى الغرب أصلاً ويقول لهم: “الغرب عدو لنا، ولذلك فهم يكتبون هذا الكلام”. ولا أحد يقول له: “هل كان الغربيون أعداء أيضاً عندما كانوا يمدحونك ويعلون من شأنك”.[/box][/one_third]ولكن هل هذه هي الحقيقة؟ أولاً؛ الإعلام الغربي لم ينتقد أردوغان منذ البداية. بل على العكس هو من كتب أكثر المقالات الإيجابية عن أردوغان. فكبريات الصحف الغربية كواشنطن بوست وفاينانشيال تايمز ولوموند والتايمز قدّمت تركيا كمثال يُحتذى للدول الإسلامية بسبب النجاحات التي حققتها على صعيد الديمقراطية والاقتصاد، ونشرت مئات المقالات التي وصفت أردوغان بأنه “زعيم إصلاحي كبير”. حتى أنها حذَّرت أردوغان وحكومته وحكومات بلادها من وجود محاولات انقلابية تستهدفه (أردوغان) وتسعى لفرض الوصاية على الحكومة عام 2008.
هل تنشر الصحافة الغربية اليوم أخباراً سلبية حول أردوغان؟ نعم، إنها تنشر هذا النوع من الأخبار. لماذا؟ لأن كلّ من يتمتع بالنظرة الموضوعية والمحايدة يلاحظ أن الدولة تتراجع في كثير من المجالات. فالزعيم الذي سُجن بسبب مناشدته شعراً أصبح يَسجن كلَّ من لا يفكر على طريقته. وإذا كان أردوغان الذي جرى تقديمه كمثال يُحتذى به في الديمقراطية بالنسبة للعالم الإسلامي يتحدث اليوم عن “اجتثاث التويتر واليوتيوب من جذورهما” فلا يمكن أن يحظى بتصفيق العالم بطبيعة الحال. ومن الطبيعي أن ينتقد الإعلامُ الغربي سلوك أردوغان المناهض للديمقراطية. ولأن الإقدام على وصف رجال الأعمال ومثقفي الديمقراطية بـ”الخونة”، وإصدار أوامر لقوات الأمن والشرطة باقتحام رياض الأطفال، وتنفيذ عملية مطاردة الساحرات، وإغلاق ملفات التحقيق في أعمال الفساد وممارسة الضغط على القضاء.. كلّ هذه أفعال وأعمال مخالفة للعالم الديمقراطي، ولهذا السبب توجه وسائل الإعلام انتقادات لمثل هذه الممارسات البعيدة عن الديمقراطية.
وعلى سبيل المثال كانت جريدة الجارديان أكبر الداعمين للعدالة والتنمية حين أصدر الجيش بيان 27 أبريل /نيسان 2007 في منتصف الليل لتحذير حكومة أردوغان. إلا أن هذه الصحيفة نفسها كتبت عشية انتخابات 7 يونيو/حزيران: “إن أردوغان يحاول تنحية البرلمان والحصول على”قوة ديكتاتورية”. فإن حقق ما يريده يوم الأحد فلن يكون بمقدور أحد إيقافه. وإن منعه الشعب من تحقيق ذلك عبر أصواته فإنه سيسلك سلوكاً خطيراً ملؤه الحقد والغضب”. فيما كتبت صحيفة نيويورك تايمز: “يتزايد عداء أردوغان للحقائق بشكل مستمر. فالأجواء عكرة ومظلمة ومخيفة على نحو غير مألوف أو مسبوق”. مع أن هذه الصحف الغربية نفسهاكانت كتبت في 2007-2008: “لقد أجرى أردوغان إصلاحات لم تجرِها الحكومات السابقة، وقاد محاولات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وإن أكبر تهديد للديمقراطية لا يصدر عن العدالة والتنمية بل عن المناوئين له”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]لا شك في أن الإعلام الغربي اليوم يرى في أردوغان قصة فشَلٍ ذريع لرجلٍ أتى إلى سدة الحكم في بلاده بدعم الأوساط الديمقراطية في الداخل والخارج متأملة في وعوده البرَّاقة بالديمقراطية، ومن ثم شمّر عن ساعديه وبذل ما في وسعه لتطبيق النظام الفردي.[/box][/one_third]ازدادت حدة الانتقادات الموجهة للعدالة والتنمية عندما استهدف الصحفيين المنتقدين بدلا عن تصحيح الأخطاء موضع النقد. وفوق ذلك بدأ أردوغان يخاطب المحافظين الذين ينظرون بعين الريبة إلى الغرب أصلاً ويقول لهم: “الغرب عدو لنا، ولذلك فهم يكتبون هذا الكلام”. ولا أحد يقول له: “هل كان الغربيون أعداء أيضاً عندما كانوا يمدحونك ويعلون من شأنك”. ولا شك في أن الإعلام الغربي اليوم يرى في أردوغان قصة فشَلٍ ذريع لرجلٍ أتى إلى سدة الحكم في بلاده بدعم الأوساط الديمقراطية في الداخل والخارج متأملة في وعوده البرَّاقة بالديمقراطية، ومن ثم شمّر عن ساعديه وبذل ما في وسعه لتطبيق النظام الفردي.
لكن كيف الأمر بالنسبة للعالم الإسلامي والشرق الأوسط؟ ألا يريان هذا الإفلاس والفشل، كما يزعم الإعلام التابع للعدالة والتنمية؟ وفي هذا الصدد يمكن أن نلقي نظرة على ما قاله أرشد هورمزلو؛ كبير مستشاري الرئيس السابق عبد الله جول لشؤون الشرق الأوسط، الذي يعتبرمن أبرز الخبراء الأتراك في شؤون الشرق الأوسط،حيث أدلى بتصريحات مهمة لصحيفة حريت الشهر الماضي وجاء فيها: “أنا من أكثر المتابعين لما يُكتب عن تركيا في الصحافة العربية. فقبل 10 سنوات كانت تُنشر في كل شهر 10 مقالات على الأقل عن تركيا، وقد كان 95% منها في صالحنا. أما الآن فيتم نشر حوالي 30-40 مقالة في الشهر و95% منها ضدنا”.
وقد نبه هورموزلو عن كثير من الأخطاء التي ارتكبتها حكومة أردوغان في القضايا الخاصة بسوريا ومصر، وذكر أن الحكومة لم تأبه بتحذيراته.كما تطرق للحديث عن شاحنات المخابرات المحملة بالأسلحة، مستهزئاً بالحكومة التي ادعت بأن تلك الشاحنات كانت محملة بالمساعدات الإنسانية وموجهة للتركمان قائلاً: “إذن فتلك المساعدات قد نُقلت بشكل سري للغاية إلى درجة أن التركمان هم كذلك لم يسمعوا بها!”.
وقد كان الإعلام العربي شديد الإعجاب بأردوغان قبل سنتين أو 3 سنوات. أما الآن فقد كتب الصحفي عمار ديوب عشية انتخابات 7 يونيو/حزيران: “يبدو أن العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية قد حالت دون تحقيق أردوغان لحلمه بالحكم الفردي”.
كما ذكرت جريدة الأخبار اللبنانية: “تركيا تهز عرش السلطان” في حين أوردت جريدة السفير هذه العبارة: “إن الشعب التركي قد وجه لأردوغان عدة صفعات”.
هذه هي الحقيقة المرة. ليت تركيا لم تحد عن جادة الصواب وبقيت نجماً لامعاً في سماء الشرق الأوسط، وظلَّ أردوغان محبوبا ًكما كان في السابق.