من مارتون دوناي
بودابست أول سبتمبر أيلول (رويترز) – كان تناول كوب من الجعة
المثلجة في مقعد قطار بالدرجة الاولى مع مشاهدة مناظر من الريف
الالماني نهاية غير محتملة لرحلة من سوريا اتسمت بمخاطر الموت
والخوف الدائم.
عندما فر ربيع هاجوك من الحرب الاهلية في بلاده لم يكن خطط
للذهاب الى بلد يعتبرها الآن وطنه وعندما ربط الجزء الاول من رحلته
في الاسبوع الماضي وهو ينتظر في المجر لم يكن يتوقع ان يكون الجزء
الاخير بالغ السهولة.
في السعودية التي توجه اليها في البداية لينضم الى اخوته بعد
ان دمر منزله في مدينة حمص السورية عمل هاجوك لمدة عام ونصف العام
مهندسا كهربائيا لكنه قال انه اصطدم مع الشرطة الدينية.
وقال “لم أكن أشعر بالامان” أثناء الانتظار على الحدود بين
صربيا والمجر داخل منطقة الشينجن المفتوحة الحدود في الاتحاد
الاوروبي وشرح السبب في انه قرر ان يعثر على شقيقته في ألمانيا
بدلا من ذلك.
لم يكن القرار سهلا.. فمن بين مئات الاف الاشخاص الذين يسعون
للجوء وحياة أفضل في الاتحاد الاوروبي هذا العام هربا من صراعات في
الشرق الاوسط وأفريقيا مات الالاف في زوارق انقلبت أو شاحنات محكمة
الاغلاق.
وقال هاجوك لرويترز اليوم الثلاثاء عبر هاتف محمول من ألمانيا
اشتراه عندما وصل الى هذه الوجهة انه تحمل بالفعل شهرا من المصاعب
وكان هناك المزيد قادم.
وقرر هو ورفاق السفر وهم خمسة نساء وستة رجال التسلل عبر السلك
الشائك الذي أقامته في الاونة الاخيرة المجر على حدودها مع صربيا
حتى يتجنبوا أن يأخذ بصماتهم المسؤولون المجريون.
وقال “ثم ركضنا عبر حقول الذرة وحاولنا الاختباء من سيارات
الشرطة. ووجدنا اثنين من المهربين امرأة وشقيقها الشاب اللذين وعدا
بتوصيلنا الى بودابست مقابل 200 يورو لكل فرد. وطلبا منا ان ننتظر
وذهبا لاحضار سيارة اجرة.”
وأضاف “انتظرنا لمدة نصف ساعة. وعندما وصلت سيارات الاجرة
ركضنا اليها لكن شخصا ما في سيارة مارة شاهدنا ونبه الشرطة التي
جاءت وأمسكت بنا.”
بعد التسجيل أخذت الشرطة هاجوك (29 عاما) وأصدقاءه الى معسكر
احتجاز قرب بلدة شيجيد مازال قريبا من الحدود الجنوبية. وكان
اليومان اللذان قضوه هناك أصعب مراحل الرحلة.
*الجوع والعطش والخوف
وقال “كان مكانا شديد الزحام. قذر. لم يسمح لنا بالخروج. كان
مثل سجن تقريبا. لا مكان للنوم .. بارد ليلا شمس حارقة في النهار
ولا يوجد ظل. حصص الطعام صغيرة وحصص الماء قليلة ولم يسمح لنا
بشراء المزيد.”
وكانوا هناك يشاهدون الاخبار على هواتفهم المحمولة .. نحو 71
مهاجرا ماتوا في شاحنة عثر عليها في النمسا.
وقال “كان الامر مخيفا بالنسبة لنا.” وأضاف “لكننا مررنا
بأشياء كثيرة كما تعلم .. اعتدت سماع أنباء مخيفة ولم يحدث شىء
لنا.”
وفي النهاية نقلتهم حافلات الشرطة الى محطة القطار في شيجيد
وهي مدينة قرب الحدود وتم نقلهم بالقطار في وجود مرافقين حتى
بودابست.
وفي محطة قطارات كيليتي نام مئات المهاجرين على الرصيف على
مرأى من المسافرين. وعثر رفاق هاجوك على فندق سمح لهم باستئجار بعض
الغرف دون ان يفحص أوراقهم.
وقال “استعدنا طاقتنا ونمنا لفترة طويلة وأخذنا حماما ساخنا
وغيرنا ملابسنا.” وأضاف “كان ذلك رائعا”.
ثم بدأوا التخطيط للرحلة الاخيرة الى ألمانيا. لم تصدر لهم
تذاكر قطارات. وأرادوا شراء تذاكر حافلات لكن طلب منهم ان يظهروا
تأشيرة الشينجن. وقال “كان هذا يعني (لا) مرة أخرى.”
وبعد التسجيل في المجر لم يكن يفترض ان يغادروا وفقا لقواعد
الاتحاد الاوروبي ولذلك دفعوا لمهرب 500 يورو لكل منهم ليذهب بهم
الى ألمانيا.
وجاء الرجل بشاحنة تشبه السيارة الجيب وأخذهم الى جروسجمين وهي
قرية نصفها في النمسا ونصفها الاخر في ألمانيا حيث تركهم في طريق
جانبي.
كان الباقي مثل حلم. عبروا جسر القرية الى ألمانيا وودعوا
بعضهم. واشترى هاجوك الذي كان بمفرده للمرة الاولى في أكثر من شهر
تذكرة واستقل قطارا الى ميونيخ. ثم الى شتوتجارت. ثم الى كارلسروهه
وأخيرا الى هايدلبرج ليلتقي بشقيقته.
وقال “سافرت بالدرجة الاولى لتعويض ما مررت به.” وأضاف “تناولت
جعة. كانت رحلة جميلة والمنظر من النافذة.. سجلت لقطات مصورة.
ألمانيا أجمل بلد شاهدته على الاطلاق.”
ولم يتصل بعد بالسلطات لكنه متفائل انهم سيسمحون له بالبقاء
رغم قواعد الاتحاد الاوروبي.
وقال “سوف أستريح لمدة يوم أو يومين عند شقيقتي ثم أجد معسكرا
جيدا يتم فيه فحص أوراقي أسرع. ألمانيا لن ترسلني الى أي بلد آخر.
هذا هو بلدي الجديد. إنني في وطني.”
(إعداد رفقي فخري للنشرة العربية- تحرير سيف الدين حمدان)