ممتاز أر توركونه
ظهر نقاش حول “عرض أخلاقي وغير أخلاقي” عندما قال رئيس الوزراء التركي أحمد داوداوغلو: “إن مخاطبييهم أعضاء البرلمان فردا فردا وليس الأحزاب في عرض مناصب الوزارات للحكومة الموقتة. وعندما يعلمني رئيس البرلمان أعداد أعضاء الأحزاب فإنني سأقوم باختيار بعض الأشخاص الذين أراهم مناسبين لعرض الوزارات عليهم”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]يبدو بوضوح أن أردوغان يخاف ضياع جزء من سيطرته من خلال وزراء سيتولون مناصبهم لمدة زمنية محددة جدا. وهو يحاول الحفاظ على قوته من خلال دسائس القصر بعد أن فشل في تعزيز قواه. وهذه الصورة المشحونة بالدسائس تنبئنا بما حل بنا من مصائب باسم الديمقراطية.[/box][/one_third]وردَّ عليه أوكتاي فورال من حزب الحركة القومية: “لا أحد من الحزب يقبل هذا العرض غير الأخلاقي”. كما ردَّ زعيم الحزب الجمهوري كمل كليتشداراوغلو بقوله: “لا يوجد في الحزب الجمهوري شخص ضعيف المروءة ليقبل بهذا العرض”.
إن هذا الموضوع مهم جدا ولا يمكن الاستخفاف به. فزعيم الحزب الأول في البرلمان يُكلف بتشكيل حكومة انتخابية حسب الدستور. ولكنه يقول إنه سيختار بنفسه الوزراء من الأحزاب الأخرى. فالأخلاق السياسية لا تحتمل ذلك. إذ لا يمكن الاستخفاف بكرامة السياسة إلى هذا الحد. وهذا دليل ملموس على وجود انحلال وتعفن وتردّ وانحراف في عقلية الحزب الحاكم.
ويبدو بوضوح أن أردوغان يخاف ضياع جزء من سيطرته من خلال وزراء سيتولون مناصبهم لمدة زمنية محددة جدا. وهو يحاول الحفاظ على قوته من خلال دسائس القصر بعد أن فشل في تعزيز قواه. وهذه الصورة المشحونة بالدسائس تنبئنا بما حل بنا من مصائب باسم الديمقراطية.
وقبل كل شيء فإن ما قاله داوداوغلو حول تشكيل الحكومة مخالف تماما للدستور. حيث تنص المادة 114 من الدستور على أن الحكومة التي ستتشكل من وزراء يجب انتقاؤهم من الأحزاب حسب نسب أعداد مقاعدهم في البرلمان. إذن فالوزراء يجب تعيينهم من خلال الكتل البرلمانية للأحزاب.
فما هي الكتلة البرلمانية للحزب؟ هذا السؤال هو بيت القصيد. الكتلة البرلمانية هي جهة رسمية وشخصية اعتبارية تعمل وفق النظام الداخلي للبرلمان، وتتحمل مسؤوليتها تجاه اللجان الحزبية. أي يجب تعيين الوزراء عن طريق الكتلة البرلمانية، ولا يمكن انتقاء الوزراء مثلما ينتقى البطيخ في السوق.
والذي يفكر بأي شيء خارج هذا الإطار فذلك يعني أنه يضرب بالنظام البرلماني عرض الحائط. وإن الأنظمة البرلمانية تختلف تماما عن الأنظمة الرئاسية، فهي تعتمد على الأحزاب السياسية التي تعد من أهم عناصر الحياة الديمقراطية. وهي تعطي الأولوية للهيئات الحزبية قبل الأفراد.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن أراد أردوغان تطبيق النظام الرئاسي فعليه أن يستقيل من منصب رئاسة الجمهورية ليترأس حزبه من جديد. وفي هذه الحالة يُعد أردوغان هو المحرك الأساسي للأمور، ولكن الذي يأخذ بزمام الأمور ويضع نفسه في الواجهة هو داوداوغلو الذي يقلب النظام الديمقراطي رأسا على عقب. وفي المحصلة يتم تشكيل حكومة انتخابية محرومة من الأسس السياسية الأخلاقية.[/box][/one_third]فالسياسات الحزبية حين تصدر عن الكتلة البرلمانية تلزم جميع الأعضاء بمن فيهم الأقلية التي تعترض على القرار. ومما تستوجبه الديمقراطية البرلمانية معاقبة الأعضاء الذين يخالفون القرار الصادر عن الكتلة.
أما إذا تجاهلتم الكتلة البرلمانية لتخاطبوا الأعضاء بشكل مباشر، من أجل تعيين وزراء فهذا يعني أنكم تريدون القضاء على الكتل البرلمانية والمبادئ الحزبية والنظام البرلماني. وهذا يعني أن تصرف داوداوغلو مخالف لجوهر الديمقراطية البرلمانية كما هو مخالف للأخلاق السياسية.
ويقول أردوغان إنه غير نظام الحكم، فهل ذلك يعني أننا سنواجه تطبيق النظام الرئاسي بشكل عملي؟ لا. فإن أراد أردوغان تطبيق النظام الرئاسي فعليه أن يستقيل من منصب رئاسة الجمهورية ليترأس حزبه من جديد. وفي هذه الحالة يُعد أردوغان هو المحرك الأساسي للأمور، ولكن الذي يأخذ بزمام الأمور ويضع نفسه في الواجهة هو داوداوغلو الذي يقلب النظام الديمقراطي رأسا على عقب. وفي المحصلة يتم تشكيل حكومة انتخابية محرومة من الأسس السياسية الأخلاقية.