بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(الْمُنَافِقُون:4)
تشرح هذه الآية الكريمة بعض الصفات الأساسية للمنافقين. ندرجها كما يأتي:
لهم مظهر خارجي يجلب النظر، مثلاً قد يكونون فارعي الطول ضخام الجثة، أنيقي الهندام يؤثرون فيمن يراهم.
هم أصحاب بيان وفصاحة يستطيعون التأثير فيما حولهم بكلامهم أو بكتاباتهم ويسحرونهم بأسلوبهم الأدبي. عندما يتحدثون يجذبون الآخرين للاستماع إليهم.
وعلى الرغم من هاتين الصفتين فهم منافقون:
أ- هم -بملابسهم الأنيقة- يشبهون خشبـا مسـندة على الجدران. أجسادهم فارعة ومظهرهم الخارجي ممتاز، ولكن من الصعب قول الشيء نفسه بالنسبة لقلوبهم. هذه القلوب متحجرة وكالخشب فقد طبع على هذه القلوب حسب سر الآية الكريمة ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِم﴾ (المنافقون:3)، فلا يحومون حول الحق وحول الحقيقة، ولا يستطيعون فهمها وإدراكها.
بـ- علاوة على هذا فهم يحسبون كل صيحة وكل صوت مرتفع عليهم. يقضون حياة مذبذبة بين هذه الناحية وتلك. أما في المواضيع التي يعدها المؤمنون مواضيع حساسة فتراهم وكأنهم جثث أو جنائز تمشي، لا يبدون أقل اهتمام بها. ولكنهم يهتمون بأن يظهروا بين المسلمين في السوق وفي الجامع وفي ساحة القتال. وبسبب هذه الازدواجية فهم جبناء غاية الجبن، لأنهم في خشية دائمة من ظهور وجههم الحقيقي. لذا تراهم يحسبون كل صيحة عليهم.
جـ- إذن فهم يعدون الأعداء الحقيقيين للمؤمنين. وهم يشبهون صنف العقرب الذي لا تعرف متى يلدغك.
د- لذا عليكم أن تصونوا أنفسكم منهم وتحموها لأنهم مستعدون للدغكم في كل وقت وحين. وعندما يقومون بهذا يقومون بدعوى صالح المجتمع وصالح النفع العام.
وفي النهايـة يصدر الله تعالى حكمه عليهم فيقول ﴿قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ (المنافقون:4).
كان الممثلون الأوائل للنفاق في العهد النبوي من أمثال ابن أبيّ ومغيث بن قيس وجد بن قيس من ذوي المظهر المتصنع الفخم والهندام الأنيق والذين لا يملكون سوى المظهر الخارجي الفارغ من الحقيقة… كان هؤلاء ممثلين جيدين للنفاق بمظهرهم وبكلامهم المنمق ومغرمين بالحديث الرنان. كل منهم معجب بمنطقه، ومعجب بنفسه إلى درجـة النرجسـية بالمعنى الكلاسيكي. بينما كانوا في الحقيقة أشخاصا سطحيين غارقين في أنواع عديدة من الضعف. كانوا عندما يتحدثون -حتى ولو كان كلاما جزافا- يحاولون لف حديثهم أحيانا بالغموض وبالإبهام، لكي يبدو شيئا جديدا وأصيلا. أي كانوا يرسمون شخصية إنسان مصاب بـداء الاضطهاد وبجنون العظمة. ولولا إرشاد الله تعالى وتنبيهه لاستطاعوا اكتساب موقع جيد عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنـد أصحابه. وطبعا عندما كانوا يسـتمعون كانوا يتظاهرون وكأنهم آذان صاغية. لقد كان كل تصرف من تصرفاتهم عبـارة عن مظهر خارجي متصنع وخادع… قيامهم وقعودهم… كلامهم وحديثهم… كله كذب في كذب. ولكن معرفة هذا الزيف متوقفة على البصيرة وعلى موهبة ربانية.
ولكونهم كاذبين وذوي وجوه عديدة، ويسلكون سـبيل التقية كانوا يشكون في كل شيء حتى من أكثر التصرفات بـراءة ومن جميع أنواع الأعمال القائمة على أطهر الأحاسيس والأفكار، ويحسبونها ضدهم، وينظرون إلى الناس بمنظار أحاسيسهم ومشاعرهم العقربية. صدورهم مملوءة بالخيانة لذا فهم في خوف دائم حسب قاعدة “الخائن خائف”.
هؤلاء هم الأعـداء الحقيقيون لأهـل الإيمان، وعلى المؤمنين -مع احتفاظهم بأسلوبهم الإيماني- ألا يقصروا في صيانة أنفسهم منهم وحمايتها.
قاتلهم الله أنى يؤفكون ووقانـا الله من شـرهم ومن مكرهم ومن كيدهم… آمين يا معين.
من موقع الأستاذ فتح الله كولن