بقلم: رضوان يوسفي
عندما يستطيع الإنسان أن يستوعب الرؤية الكونية التي أراد الله سبحانه أن تكون طريقًا للوصول إليه عز وجل، تراه يُحول أفكاره إلى مؤسسات ومراكز بحث من أجل أن يصل إلى الحقيقة السرمدية. فأول ما نزل من كلام الله قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(العلق:1)، فهو سبحانه أمر بالقراءة والتعلم بشكل مطلق، فلم يحدد لنا ميدانًا أو مجالاً مخصصًا، لكنه تركه واسعًا فضفاضًا، شريطة أن يكون باسم الله، فيصبح هذا العلم يقود الإنسان إلى الله جل جلاله، فيتحقق معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾(فاطر:28)، وطبعًا هذا لا يتأتى إلا إذا استطاع الإنسان أن يمزج القراءة بين كتاب الله المنظور وكتاب الله المسطور، مزجًا دقيقًا يستطيع من خلاله استخراج أسرار الله في الكون.
جامعة جانيك بَشَري والتي أنشئت بتشجيع من الأستاذ فتح الله كولن، واحدة من الجامعات التي آمنت بهذه الرؤية، فاستوعبت قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(النحل:68)، فأدركت أن منبع الشفاء في قول الحق جل وعلا، فأسست مركزًا للأبحاث والتطوير باسم “مركز العسل”. هذا المركز أسس سنة 2013، تحت رعاية جامعة جانيك بَشَري التي تقع بمدينة سامسون التركية، حيث يعتبر هذا المركز أول مركز بحثي للعسل بتركيا، كما يهدف هذا الأخير إلى تحليل عينات العسل من مختلف مناطق تركيا بأحدث التقنيات، وإلى قياس القيمة الحقيقية لكل نوع من أنواع العسل. وبهذا يحدد السعر الحقيقي لكل نوع، وتهدف كذلك القيام بأبحاث تواكب التطور العالمي في هذا الميدان، بالإضافة إلى هدف مركزي وهو معرفة الفوائد الصحية للعسل من خلال القيام بمجموعة من التجارب الميدانية.
وقد اعتبر الأستاذ الدكتور قمر الدين موحد يوسف، أحد مؤسسي المركز “أن العسل يعتبر هدية من الله للإنسان”، واعتبر أن العسل منبع للشفاء وخاصة بالنسبة للجروح التي يصعب برؤها، فهو يعالجها وفي زمن قصير، وبفضل المواد التي يحتوي عليها العسل مثل الفيتامينات والمعادن والأحماض، فهو يساعد على تكاثر الخلايا وضخ دماء جديدة مما يؤدي إلى شفاء كامل. ويعتبر العسل كذلك من أهم المواد المضادة للبكتريا، حيث يحتوي على مواد مضادة للأكسدة، وهذا يساعد على الحماية ومعالجة الأمراض مثل؛ السرطان والقلب والأوعية وخاصة عند الكبار، لأن الإنسان عندما يكبر، يصبح جسمه ضعيف الإنتاج للمواد الطبيعية المضادة للأكسدة. لهذا ينصح الكبار بتناول العسل، لأنه من أهم المواد التي تحتوي على مواد طبيعية مضادة للأكسدة بنسب عالية.
كما ينصح الدكتور فرحات أوز ترك أحد الباحثين في المركز بتناول العسل في فترات البرد من أجل الحماية من نزلات البرد. كما ذكر أن كتاب القوانين الطبية لابن سينا والذي دُرس في أوربا ما يقرب من 500 سنة يحتوي على 35 وصفة تحتوي على العسل.
وبعد هذه الجولة السريعة في عالم العسل نُتم الحديث من ما بدأناه لنقول؛ إن الخيار الإستراتجي لخروج الأمة من أزمتها المركبة، هو الخيار العلمي الذي نبهنا الله إليه في بداية الوحي وكأنه كان في ظهر الغيب أن الأمة ستُأتى من هذا الثغر. فنزلت “إقرأ” في البداية لتنبه إلى بداية الطريق وأهميته. فالقراءة التي تجعل من القرآن (المنظور والمسطور)، إلهامًا لها تجعل القلب والروح والقلب يتحركون في تناغم واحد، فلا تحس أن هناك هوة بين كتاب الله المنظور وكتاب الله المسطور، وإنما هذا من ذاك، فيضخ قلب الإنسان شرارة فكرية، تتَفتق مؤسسات ومراكز، تضع نظارة القرآن المسطور على آيات القرآن المنظور، فيفتح الله عليها من أسراره ما يجعل روحها تعلو فتسمو، فالمجهر في هذه المراكز يوضع على آيات القرآن قبل أن توضع على المواد والعينات. والجامعات التي تفكر بهذه الطريقة فعلاً تقود الأمة نحو توبة حضارية، تَنفض عنها غبار التاريخ وتشعل بصيص أمل يقودنا نحو الأمة الشاهدة.
من موقع مجلة حراء