مصطفى أونال
لماذا فشل حزب العدالة والتنمية في تشكيل حكومة ائتلافية بالتعاون مع حزب الشعب الجمهوري؟ وهل ثمة سبب أو حجة مقنعة لهذا الفشل؟
ألم يتفق الحزبان بشأن السياسيات الأساسية؟ أم فشلا في تقاسم الوزارات فيما بينهما؟ هل ذهبت المفاوضات التي استمرت أياماً أدراج الرياح؟ بشأن ماذا تحدث زعيما الحزبين لساعات؟ فالتصريح الصادر للرأي العام بَعيد كل البعد عن توضيح أصل المسألة.
إن حزب العدالة والتنمية ليس مضطرًا – بطبيعة الحال – لتشكيل حكومة ائتلافية، فهو ربما يعتبر الشراكة مع حزب الشعب الجمهوري خطيرة وضد مصالحه. وعليه، كان من المفترض ألا يجلس معه على طاولة المفاوضات أصلاً، ولا يظهر أمام الناس وكأنه سيشكِّل حكومة ائتلافية معه. ولو كان رئيس الوزراء رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داوداوغلو يعتبر أنه ليس هناك خيار آخر سوى “الانتخابات المبكرة” فكان حري به ألا يوافق على تولي مهمة تشكيل الحكومة، ويخبر الشعب بالحقيقة.
لقد شهدت الساحة السياسية في تركيا على مدار شهر كامل “مساعي البحث عن تشكيل حكومة” قادها حزب العدالة والتنمية فقط كتكتيك سياسي. وكان القيادي بحزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال محقًا فيما قال، فما شهدناه كان عبارة عن مسرحية هدفها أن تنتهي مهلة تشكيل الحكومة المقدرة بخمسة وأربعين يومًا.
إن من صميم السياسة كذلك “إظهار ما لن يتحقق”. تبذلون الجهد ثم تتوجهون إلى الشعب لتخاطبوه بقولكم: “فعلنا ما بوسعنا لكن دون جدوى، فلم نتمكن من التوافق مع أحزاب المعارضة”. لكن هذا لم يحدث بهذا الشكل. فلسنا أمام صدق أو إخلاص، بل نحن أمام “لعبة سياسية”، و”صانع اللعب” في هذه اللعبة معروف: رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.. أما داوداوغلو فهو أحد اللاعبين، كما هو الحال بالنسبة لسائر زعماء الأحزاب الآخرين. بعضهم تطوَّع لأداء دوره، وبعضهم قبِل بدوره بعدما سيطر عليه اليأس. والحقيقة أنه ليس هناك أحد منهم لديه القدرة السياسية التي تغير مجريات هذه اللعبة؛ إذ إن أردوغان وضع “خطة اللعب” على أساس إجراء انتخابات مبكرة، فهل ثمة طريق آخر للنجاة؟ بطبيعة الحال يوجد، غير أن السياسة محرومة من الإمكانية التي تنتج بها تلك الإستراتيجيات.
لقد شعر داوداوغلو بالضيق الشديد وهو يشرح لماذا فشل في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري. وقد ابتعد عن التطبيق العملي، واتجه نحو النظريات، وخرج عن إطار التطورات الساخنة، وسرد لنا أشياء مختلفة.
ثمة ادعاء تتناقله كواليس السياسية في تركيا؛ إذ كتب الصحفي أردم جول، الكاتب بجريدة جمهوريت، استنادًا إلى مصادر حزب الشعب الجمهوري، أن داوداوغلو قال إنه أدار مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري “تحت ضغط يمكن أن يصل إلى حد الاتهام بالخيانة”. وهذا متوافق مع السير الطبيعي للحياة، أي أنه شيء واقعي. فهذا يعتبر اعترافًا بوصاية أردوغان من جهة وعجز داوداوغلو من جهة أخرى.
لقد انتقدت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها أردوغان “الائتلاف الحكومي المحتمل مع حزب الشعب الجمهوري” على أنه خيانة. وما الحاجة إلى دليل آخر، فأردوغان قال بنفسه “تشكيل ائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري يعتبر انتحارًا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية”.
حسنًا، ماذا سيحدث الآن؟ لن يتخلى داوداوغلو عن مهمته بتشكيل الحكومة، وسيذهب اليوم للقاء مسؤولي حزب الحركة القومية، وفق توصيات أردوغان وتعليماته بطبيعة الحال. وثمة احتمال ضعيف أن ينجح الحزبان في تشكيل الحكومة الائتلافية؛ إذ إن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مسؤولو الحزبين وسَّعت الفجوة بين الجانبين، كما أن العبارات التي استخدمها أردوغان،واستهدفت حزب الحركة القومية وزعيمه دولت بهشلي،أغلقت الباب أمام تشكيل الحكومة الائتلافية مع ذلك الحزب.
خرجت من فم داوداوغلو عبارة “الخيار الوحيد هو الانتخابات المبكرة”. فمسألة الانتخابات صارت كالأسد الذي هرب من قفصه؛ إذ لا يمكن إعادته إليه مرة أخرى.
من الواضح جدًا التغير الملحوظ الذي طرأ على سياسات حزب الحركة القومية؛ إذ كان بهشلي هو أول من رفع راية الانتخابات المبكرة عشية يوم الانتخابات التي أجريت يوم 7 يونيو / حزيران الماضي،ثم تراجع قائلًا “الانتخابات المبكرة أصبحت في المرتبة الثانية”. وفي الوقت الذي وصف فيه داوداوغلو الانتخابات المبكرة على أنها “الترياق” وصفها بهشلي بـ”السُم”. واقترح تشكيل حكومة ائتلافية بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، أما سبب تغير موقف حزب الحركة القومية فهو المناخ الاستثنائي الذي خلّفته الأعمال الإرهابية.
بشأن ماذا سيتحدث زعيما الحزبين اليوم؟ فداود أوغلو لا يفكر في تشكيل حكومة ائتلافية، ولهذا فلن يعرض الشراكة على بهشلي. حسنًا، فماذا لو تلقى داوداوغلو مقترحًا من حزب الحركة القومية بشأن هذه النقطة بالتحديد؟ من المؤكد أنه لن يقول “نعم” ولن يقبل هذا المقترح. فأردوغان قام بما يلزم حتى لا يعرض حزب الحركة القومية عرضًا كهذا من الأساس. ولهذا فإنهم سيتناولون “حكومة لحمل البلاد إلى انتخابات”. فداوداوغلو يؤيد إصدار البرلمان قراراً بإجراء انتخابات مبكرة، وسيطلب دعم حزب الحركة القومية. فالخيارات أصبحت محدودة، مثل المواصلة بالحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتخابية بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية لثلاثة أشهر.
أوسيستقر الأمر على تشكيل حكومة تحت سيطرة رئيس الجمهورية ويكون تمثيل الأحزاب السياسية بها وفق قوتها في البرلمان. وهنا نجد أن مشكلة حزب الشعوب الديمقراطي تصِّعب من مهمة حزب الحركة القومية. وقد فقد البرلمان زمام المبادرة منذ وقت طويل.
وإذا نظرنا إلى الأجواء السائدة فإن داوداوغلو سيعود من اجتماعه مع مسؤولي حزب الحركة القومية ويداه خاويتان، ولن يحصل على دعم لقرار إجراء انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة انتخابية. فلم يقل أردوغان من فراغ “لقد تغير نظام الحكم في تركيا فعلًا”. نعم، فالأحزاب السياسية ما هي إلا ممثلين بسطاء، وأما البرلمان فهو في غرفة الانتظار…