عبد الله أيماز
يحكي لنا السيد حسين أيجون، الذي قضى سنوات من حياته وهو يعمل في المدارس التركية، مفخرة الشعب التركي في الخارج، إحدى ذكرياته التي ستُنير دربنا اليوم.
إن التاريخ يعيد نفسه، فهل كان التاريخ سيعيد نفسه لو كانوا استخرجوا الدروس والعبر؟ بل يجب عليهم ألا يحسبوا أن ما فعلوه سينُسى؛إذ سيكون الحساب مختلفًا يوم القيامة، وستدرس الأجيال المقبلة هذا في كتب التاريخ. أولئك الذين زاروا دولا في إفريقيا وآسيا وطالبوا بإغلاق المدارسة التركية! والذين كتبوا مقالات صحفية لدعم هذا المطلب! فهم إما أنهم لا يعرفون شيئًا عن العالم أو أنهم يخونون وطنهم وهم يعلمون.
لقد أسست حركة الخدمة سلسلة من المدارس في العديد من دول العالم، وهذه المدارس تعلِّم طلابها اللغة التركية وثقافتها، وتسعى بهذه الطريقة لتطوير العلاقات التجارية بين تركيا وتلك الدول. والذين يتحدثون عن إغلاق هذه المدارس لم يروا لا أفريقيا ولا آسيا ولم يعيشوا في دول هاتين القارتين. وأريد أن أطلع القارئ على إحدى ذكرياتي ليفهم جسامة وضع هؤلاء.
توجه مسؤول تركي بارز لزيارة إحدى جمهوريات آسيا الوسطى برفقة وفد عام 1998. ولأن وزير التربية والتعليم في تلك الدولة كان يحب الأتراك كثيرًا فقد دعا الوفد التركي لحضور حفل عشاء في بيته. وبينما يتناولون الطعام قال المسؤول التركي لوزير التربية والتعليم: “أغلقوا المدارس التركية في بلدكم، فهذه المدارس تنتمي إلى الإسلام المتطرف وستعلم أبناءكم الدين الإسلامي..”. فرد الوزير بقوله: “هذا شأن داخلي خاص ببلدنا، ونحن من نقرر ماذا يجب أن يكون”.
الوزير كان يبني لنفسه بيتا، ويزور موقع البناء في الصباح الباكر من اليوم التالي. والمهندس الذي يتولى أعمال البناء كان تركيًّا. وعندما يرى المهندس الوزير يشعر بالقلق ويظن أن مشكلة ما قد حدثت لأن الوزير لا يأتي عادة في مثل هذه الساعة. فيقترب منه ويخاطبه قائلًا: “تفضل سيدي لنخرج في جولة لمتابعة عملية البناء”، فيجيبه: “لا، لا أريد ذلك. جئت لأسألك سؤالًا. هل هذا المسؤول الذي قابلته مساء هو تركي؟”، فرد المهندس: “نعم”، فيسأله: “هل أنت متأكد؟”، فيجيبه المهندس: “نعم أنا متأكد مما أقول، ذلك المسؤول تركي”، وحينها يقول الوزير: “أنا لا أصدق أنه تركي، لذا فإن معلوماتك خاطئة؛ إذ لا يمكن أن يكون تركيًّا، فقد طالبني بإغلاق المدارس الثانوية التركية العاملة في بلدنا. يزعم أن هذه المدارس تعلم أبناءنا الإسلام. نحن مسلمون يا أخي، فهل سننزعج من تعليم أبنائنا دينهم؟ لو كان هذا المسؤول قال: “أغلقوا المدارس الإنجليزية والفرنسية والأمريكية الموجودة هنا لأنها تسعى لتنصير أبنائكم”. لربما تفهمته.لكنه طالبني بإغلاق المدارس التركية، هل تفهمني؟ فلو كنت سمعت هذا الطلب من شخص آخر لما كنت صدقته. نحن لدينا جهاز مخابرات ونعلم جيدًا كيف تعمل هذه المدارس، ولسنا بحاجة إلى نصيحة أحد…”.
كان جهاز المخابرات السوفيتي أقوى جهاز مخابرات في العالم حتى وقت قريب. وفريق من أفراد هذا الجهاز موجودون في كازاخستان. وأنا واثق من أن المسؤولين في ذلك البلد يضحكون على من يزورون بلدهم ويتحدثون بسوء عن المدارس التركية. وسيكون ما سيفعلونه أمام هذه النقاشات البسيطة أن يقولوا اذهبوا وادرسوا هذا الأمر.
لقد بحثت فيما بعد عن أصل ذلك المسؤول الذي تحدث عنه الوزير، فقد كان الوزير محقًّا فيما قال إذ لم يكن ذلك المسؤول تركيا في أصله.
لم يتغير شيء على مر العصور. فأهل مكة طالبوا بإعادة صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا إلى الحبشة قبل نحو 1500 عام. إلا أن النجاشي حاكم الحبشة خاطب الصحابة بقوله: “يمكنكم أن تقيموا في بلد يقدر ما تشاءون”. واليوم يطالبون إثيوبيا بإغلاق المدارس التركية العاملة على أراضيها، فأما أحفاد النجاشي فيقولون لمسؤولي تلك المدارس: “افتحوا مزيدا من هذه المدارس”.