علي بولاج
ثمة نوعان للسياسة السلبية وكلاهما غير مرغوب فيه.. فالإرهاب حرب خالية من المبادئ ويحصد أرواح المدنيين الأبرياء.مع أنه حتى الحروب التي تعتمد على أسباب عادلة ومحقة تؤدي أيضا إلى الدمار في جميع الأحوال.
ولا يمكن لأي شخص عاقل وذي ضمير حي أن يضفي الشرعية على الصراع المسلح للعمال الكردستاني الذي يهدف للعنف والإرهاب.
حتى إن بعض السياسيين الأكراد كذلك يرون أن العمليات الأخيرة التي ينفذها العمال الكردستاني هي “عمليات قذرة وتهدف لنشر الفتنة وتحريض الناس كما أن لها أهدافا غامضة”. ولذلك فإن إيقاف هذا الصراع في أسرع وقت يصب في مصلحة كل من يعيش في هذه البلاد.
كما أن الإرهاب والحرب ظاهرتان شبيهتان بمرض عضال يقضي على الجسم. وعليه فإن واجبنا يقتضي تشخيص المرض واتباع الطرق العلاجية السليمة.
علما بأن المشكلة الكردية تدل على أن الجسم مريض. ويترتب علينا في الخطوة الأولى أن نشخص المرض تشخيصا صحيحا. وأنا أقترح التشخيص والعلاج التاليين من وجهة نظر إسلامية منذ سنوات عدة:
1- المشكلة الكردية هي مشكلة هوية بالنسبة للأكراد سواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. فالأكراد متفقون على أن لديهم مشكلة في الاعتراف بهويتهم سواء كانوا متدينين أو علمانيين أو قوميين أو ماركسيين. إذن فإن هذا القوم يرى نفسه كرديا ولا يعتبر نفسه تركيا، وبالتالي يريد إزالة العوائق التي تحول دون التعبير عن هويته سواء كانت هذه العوائق منصوصا عليها في الدستور أو في القوانين.
2- إن هذا القوم له لغة خاصة به، وهي اللغة الكردية وليست اللغة التركية. وإن اللغة الكردية مثل اللغة التركية والعربية. وإن الأكراد لهم حق في استخدام لغتهم في القطاعات الخاصة والاجتماعية والعامة. بشرط أن تبقى اللغة التركية هي اللغة الرسمية ضمن الحدود الرسمية للجمهورية التركية، ينبغي اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل استخدام اللغة الكردية في القطاعات الخاصة والاجتماعية والعامة. وفي هذا الصدد يمكن الحديث لاتخاذ القرار في إعادة الأسماء السابقة لبعض البلدات إلى أصلها الكردية أو استخدام أسماء مزدوجة باللغتين التركية والكردية.
3- يجب رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي لمنطقة جنوب شرق الأناضول حيث الكثافة السكانية الكردية. وهذا يتطلب إصلاحا يتعلق بالسياسات الاقتصادية.
4- يستحسن تخصيص منطقة تتبع فيها سياسة متساهلة لتيسيرإدامة علاقاتهم بأقاربهم في الدول المجاورة. وهذا في الوقت نفسه سيلعب دورا دافعا لرفع مستوى الرفاه في المنطقة. وذلك يستوجب تطوير رؤية جديدة للتكامل الإقليمي في المنطقة.
إن هذه المواد الأربع هي من الحقوق الأساسية. ولا علاقة لها بوجود العمال الكردستاني أو عدم وجوده. ولا يمكن المساومة عليها بشكل من الأشكال، كما لا يمكن التصويت عليها. بيد أن المادتين الأوليين تتمتعان بالأولوية، أي يجب تطبيقهما بشكل عملي بدءا من الآن.
وتجدر الإشارة إلى أخطاء مسيرة السلام -التي التزمنا الصمت إزاءها، كي تسير على ما يرام- هي:
أ- إن حكومات العدالة والتنمية أيضا لم تتناول هذا الموضوع بمعزل من الإرهاب ولم تعط هذه الحقوق للأكراد ولم تختلف في ذلك عن الحكومات السابقة لها. بل على العكس من ذلك فقد ربطت تلك الحقوق بالعمال الكردستاني.
ب – لم تتفاوض في حل هذه المشكلة سوى مع منظمة حزب العمال الكردستاني، وكان لسان حالها يقول: “أيها الأكراد المحافظون والإسلاميون، التزموا الصمت وأنا أتحدث نيابةً عنكم فأنا الذي أمثلكم”. مع أن هناك كتلة كردية واسعة الانتشار ولا يوالون العدالة والتنمية ولا العمال الكردستاني في المنطقة.
ت- طبعا يجب عقد المباحثات والتفاوض مع العمال الكردستاني أيضا. ومقولة “الدولة لا تفاوض تنظيما إرهابيا” ما هي إلا شعار فارغ من المحتوى. ولكن المواضيع التي يجب التفاوض عليها مع التنظيم هي المواضيع العسكرية وحدها.
ث- ولو أن الدولة اعترفت للأكراد بالحقين الأول والثاني من الحقوق الأربعة التي ذكرناها قبل قليل، واستمر العمال الكردستاني باستخدام السلاح رغم ذلك، لما بقيت عند أحد أية حجة محقة لإدانة الحكومة.ولكن الحكومة لم تعترف بحق الهوية واللغة منذ 13 عاما.
فإن كنتم تريدون الحل حقا فعليكم أن تتصرفوا كمسلم متمسك بدينه ومنسجم معه، وأن تعترفوا بالحق الأول والثاني فورا من الحقوق الأساسية الأربعة. وإلا فستستمر إراقة الدماء في هذه البلاد إلى يوم القيامة. فحل المشاكل من الناحية الإسلامية سهل جدا.