الإسماعيلية (مصر) 6 أغسطس آب (رويترز) – حرصت مصر على إظهار
الدعم الدولي لها اليوم الخميس خلال احتفالاتها بافتتاح قناة
السويس الجديدة التي تأمل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في أن
تسهم في إنعاش اقتصاد البلاد.
وقال السيسي خلال الحفل الذي شارك فيه قادة فرنسا وروسيا وعدد
من الدول العربية والأفريقية إن بلاده ستهزم الإرهاب.
واكتمل مشروع قناة السويس الجديدة الذي تكلف نحو ثمانية
مليارات دولار في عام واحد بدلا من ثلاثة كما كان مقررا له بناء
على تعليمات السيسي لكن اقتصاديين وخبراء في الملاحة يتساءلون ما
إذا كان حجم مرور السفن والتجارة بين الشرق والغرب سيساعد مصر على
تحقيق العائدات المأمولة من المشروع.
وقال السيسي بعد توقيع وثيقة التشغيل الفعلي للقناة الجديدة
والتي تمنح الإذن للسفن بالمرور فيها “لم يكن العمل في ظروف طبيعية
وما زالت هذه الظروف ونكافحها وسننتصر عليها.”
وأضاف “مصر في هذا العام جابهت أخطر فكر إرهابي لو تمكن من
الأرض لحرق الأرض.”
ومشروع القناة الجديدة هو محور برنامج كبير للسيسي يهدف إلى
تعزيز حكمه كرجل يسعى لتحقيق الاستقرار والرخاء لمصر بعدما أعلن
قبل عامين حين كان وزيرا للدفاع عزل الرئيس السابق محمد مرسي
المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2013 إثر احتجاجات حاشدة على
حكمه.
ويهدف الافتتاح المبهر أيضا إلى تعزيز موقفه على الصعيد الدولي
في حضور الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند ورئيس الوزراء الروسي
ديمتري ميدفيديف والملك عبد الله عاهل الأردن وأمير الكويت وملك
البحرين.
وزار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري القاهرة يوم الثاني من
أغسطس وترأس وفد بلاده خلال الحوار الاستراتيجي مع مصر لكن لم
يشارك ممثل أمريكي رفيع المستوى في حفل اليوم الخميس.
ويحرص حلفاء مصر على تحسين صورتها في إقليم يعج بالاضطرابات.
وتواجه القاهرة منذ عامين موجة عنف متزايدة من جانب متشددين
يتمركزون في سيناء أدت إلى مقتل المئات من رجال الجيش والشرطة.
وفي تحول خطير هددت جماعة ولاية سيناء ذراع تنظيم الدولة
الإسلامية في مصر في فيديو بث على الانترنت أمس الأربعاء بقتل
رهينة كرواتي بعد 48 ساعة إذا لم تفرج الحكومة عن محتجزات وصفن
“بالأسيرات المسلمات” في السجون المصرية. وتمكنت الجماعة الشهر
الماضي من إطلاق صاروخ على زورق بحري مصري في البحر المتوسط قرب
ساحل سيناء.
لكن السلطات المصرية تقول إن أمن السفن خلال عبور القناة
الإستراتيجية لم يكن أبدا عرضة للتهديد.
وفي وقت سابق اليوم قام السيسي وهو يرتدي بزته العسكرية بجوله
في قناة السويس الجديدة وبرفقته طفل يرتدي زي الجيش ويلوح بعلم مصر
على متن يخت المحروسة وهو أول سفينة تعبر قناة السويس الأم خلال
حفل افتتاحها في نوفمبر تشرين الثاني 1869.
وقالت وسائل إعلام محلية إن الطفل مصاب بالسرطان ويبلغ من
العمر تسع سنوات وكان أبدى رغبة في السابق لمقابلة السيسي.
وحلقت طائرات رافال فرنسية وطائرات إف-16 أمريكية تسلمتها مصر
مؤخرا وطائرات هليكوبتر فوق القطع البحرية العسكرية التي رافقت يخت
المحروسة أثناء جولة السيسي في القناة الجديدة.
وعرض التلفزيون الرسمي لقطات لأول سفينة تعبر المجرى الملاحي
الجديد بعد توقيع السيسي على وثيقة التشغيل الفعلي للقناة وهي
سفينة تابعة لشركة (سي.إم.إيه-سي.جي.إم).
وذكر التلفزيون أن سفينة أخرى كانت تبحر في الاتجاه المقابل في
القناة الأصلية في نفس الوقت.
* إنقاذ من المعاناة
وعقب إلقاء كلمته اصطحب السيسي ضيوفه العرب والأجانب في جولة
ثانية بقناة السويس الجديدة.
ومن المقرر أن يقيم السيسي مأدبة عشاء لضيوفه في وقت لاحق مساء
اليوم الخميس سيعقبه حفل فني تعرض فيه أوبرا عايدة التي ألفها
الموسيقي الإيطالي جوزيبي فيردي بتكليف من الخديو إسماعيل -الذي
حكم مصر بين عامي 1863 و1879- لتعرض في افتتاح قناة السويس الأم في
القرن التاسع عشر. لكن تأخر وصول الملابس والديكورات من إيطاليا
حال دون عرضها في ذلك الوقت وعرضت بدلا منها أوبرا (ريجولي).
وأعلنت مصر الخميس أجازة رسمية وزينت القاهرة ومدن أخرى
بالرايات فيما تتدلى الأنوار المبهرة على الجسور العابرة لنهر
النيل وتنتشر اللافتات التي كتب عليها عبارات مثل (هدية مصر
للعالم) و(من أم الدنيا لكل الدنيا).
وأقيمت الخيام المخصصة للاحتفال في الإسماعيلية على الضفة
الشرقية للقناة. ويطل تمثال ضخم لعامل كادح في القناة وهو يمسك
بجاروف على المجرى الملاحي.
كما وضع تمثال شاهق للإلهة الفرعونية إيزيس بجناحين محلقين
بجوار القناة ووضعت خلفها أعلام لدول العالم. وكانت تعزف الموسيقى
والأغاني الوطنية من قبل فرق الموسيقى العسكرية.
وليخت المحروسة دلالة ورمزية تاريخة فهو اليخت الذي أقل الملك
الراحل فاروق إلى منفاه الاختياري في إيطاليا بعد الإطاحة به على
يد الجيش عام 1952.
وشهدت مصر سلسلة اضطرابات منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت
بالرئيس السابق حسني مبارك عام 2011 ويعاني سكان البلاد وعددهم نحو
90 مليون نسمة من تباطؤ الاقتصاد وتراجع السياحة وارتفاع معدلات
التضخم.
وتعتقد الحكومة إن قناة السويس الجديدة والمنطقة الصناعية التي
ستقام حولها ستنقذ مصر من المعاناة الاقتصادية لكن يشكك البعض في
ذلك.
وقال السيسي في الحفل إن افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة
يمثل انطلاقة لمشروعات جديدة.
وقال “ما افتتاح قناتنا اليوم إلا انطلاقة لمشروعات جديدة ولعل
أكثرها اتصالا بإنجاز اليوم هو مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس
حيث تم اعتماد المخطط العام للمشروع.”
وأضاف “ستشرع الحكومة على الفور في تنفيذه بتنمية وتطوير منطقة
شرق بورسعيد والتي ستشهد توسعة ميناء شرق بورسعيد وتطويره
والاهتمام بالظهير الصناعي للميناء وكذلك تطوير البنية الأساسية
للمنطقة وربطها مع المشروعات الأخرى الجاري تنفيذها وسيلي ذلك
البدء مباشرة في تنمية مناطق الإسماعيلية والقنطرة والعين السخنة.”
ويتضمن مشروع قناة السويس الجديدة إقامة مجرى ملاحي مواز لجزء
من القناة الأم التي حفرت في القرن التاسع عشر وتربط بين البحرين
المتوسط والأحمر بالإضافة إلى تعميق وتوسيع أجزاء في القناة
القديمة وهي أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا.
ويوصف المشروع في مصر بأنه انجاز وطني يضاهي قرار الرئيس
الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس عام 1956 وبناء السد
العالي في أسوان.
وتجمع المئات في ميدان التحرير بوسط القاهرة وكانوا يحتفلون
بأبواق تحمل ألوان علم مصر.
وقال جمال أمين (50 عاما) “ليست فقط لي إنها لأولادي وأحفادي.
إنها للعالم كله.”
لكن القناة الجديدة لا تحظى برضا الجميع.
وقال محمد (24 عاما) الذي كان يسير قرب ميدان التحرير “لا يوجد
أي شيء جديد للاحتفال به. هناك أشياء أكثر أهمية للمصريين كان يمكن
أن تستخدم هذه الأموال فيها.”
* مجرد أمنيات
وبالنسبة لكثير من المصريين وكذلك الاقتصاديين والخبراء فإن
الفوائد الفورية للمشروع الذي مول باكتتاب شعبي ليست واضحة.
وتتوقع هيئة قناة السويس أن ترتفع عائدات القناة إلى 13.23
مليار دولار سنويا بحلول 2023 من نحو خمسة مليارات دولار في 2014
وكذلك ارتفاع عدد السفن العابرة من 49 إلى 97 في نفس الفترة.
لكن تباطؤ التجارة العالمية والمنافسة من قناة بنما التي تم
توسيعها وتباطؤ الاقتصاد الصيني يشير إلى أن المشروع قد لا يحقق
العائدات المأمولة قريبا على الأرجح أو أن ينجح في تقليل معدل
البطالة الحالي الذي يدور حول 13 بالمئة.
ووصف بعض الاقتصاديين التوقعات بأنها “مجرد أمنيات” خاصة مع
عدم قدرة نمو عائدات قناة السويس على مجاراة نمو التجارة العالمية
منذ 2011.
لكن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون وصف القناة الجديدة
بأنها “معجزة حديثة”.
وأضاف في مقال له ترجم إلى العربية ونشر في صحيفة الأهرام
الحكومية المصرية اليوم الخميس “إنها رمز للطموح المصري. إشارة
لإرادتكم لمستقبل أكثر أمنا واستقرارا ونجاحا.”